تتكون المجتمعات من فسيفساء لا نهائية من الشرائح الطائفية كجزء من تكوين المجتمع ذاته, وهذه الشرائح لا دخل لها بالثوران (الطائفي) الذي ربما عكر صفو الدول التي تعاني من ذلك, على اعتبار أن الطائفية الاجتماعية تختلف عن الطائفية السياسية, وهذا ما أكده المفكر برهان غليون في كتابه (نظام الطائفية), حيث يشير في كتابه إلى نظرية دافع عنها كثيراً مضمونها (أن الطائفية تنتمي إلى ميدان السياسة لا إلى مجال الدين والعقيدة وأنها تعكس سوقاً سوداء للسياسة أكثر مما تعكس إرادة تعميم قيم أو مبادئ أو مذاهب دينية لجماعة ما).
ويسعى غليون إلى كشف الخلط بين الطائفة الاجتماعية التي لا تتعارض مع كيان الدولة, وبين الطائفية السياسية التي تنخر في جسد الدولة مما يجعل من مواجهتها واستئصالها أمراً ضرورياً داخل الدولة.
استطاع غليون بهذا المفهوم السهل الواضح أن يحدد للدولة طريقة التعاطي مع الطوائف من حيث استيعاب بنية الطائفية: فهي إما تشكل اجتماعي طبيعي وإما تشكل سياسي ثوري. ولكل من النوعين, طريقة تعامل مختلفة, فيتطلب أن تأخذ الطائفية الاجتماعية كامل حقوقها المدنية, فيما يتطلب أن تقف الدول ضد أي تحرك طائفي سياسي حفاظاً على كيان الدولة وتماسكها ووحدتها.
والدولة بحاجة أن تعطي هذا المفهوم بعداً أعمق, بحيث يظهر كما هو وليس كما يتوهم البعض, وبشكل يتعدى حدود الوعي النخبوي, إلى الوعي الديني والشعبي, تعزيزاً لمفهوم الوطنية وتأكيداً على أن الوطن - أي وطن - يستوعب الطوائف طالما أنها في حدودها الاجتماعية, فيما يتوجب اتحاد أبناء الوطن ضد (الطوائف السياسية).
وألا تؤخذ الطائفة الاجتماعية بجريرة الطائفية السياسية.
Ra99aj@yahoo.com