هناك فكرة متداولة وعلى نحو مكثف بين كثير من النساء تجدر الإشارة اليها، وهي أنّ بعض الزوجات تعتقد أنّ نسبة معيّنة من الجمال كافية لتربُّعها على عرش قلب الرجل، وأن تكون أنثى أحلامه فتسيطر عليه عاطفياً ويغرق في بحر هواها، ومن ثم ترفل في العيش الناعم والمحلّى بألوان الحبور،..
وبطبيعة الحال فالجمال أمر نسبي وهو لوحده لا يكفي، والرجل الناضج لا ينظر للمرأة من بُعد واحد، وإنما ينظر إليها نظرة تكاملية ومن متباين آفاق التقييم: الذكاء، الجمال الخَلقي، الجمال الخُلقي، النظرة العميقة إلى الأمور والحياة، فإذا كانت جميلة لكنها متواضعة النضج، أو ليست قويمة المسلك أو لا تعرف مفاتيح قلب الرجل، ولا تجيد استخدام أسلحتها الأنثوية أو لا تحسن بسط مقومات الأنوثة المغرية للزوج وتخفق في القيام بإيماءات إيقاعية توقظ أحاسيس الرجولة، هنا يكون الجمال جمالاً بارداً فاقداً لعنصر الجاذبية مفتقراً للبريق، وبالتالي لا يتحقق التجاوب والانجذاب المتبادل، بل مع مرور الزمن سيسأم الزوج من المنظر المتكرر الجامد الفاقد لحيوية الحياة؛ نعم قد يبهره المظهر الشكلي في مستهل العلاقة، وقد تجد لها مرتعاً خصباً في أعماق ذاته، وقد يتوهّم أيضاً أنّ هذا الانبهار ناتج عن بُعد وجداني، وأنه آية على نوع من الحب والارتباط الروحي، والحقيقة أنّ هذا الانبهار في كثير من الأحيان ناتج عن بُعد شهوي مرتبط بالهيكل الجسدي، خاله صاحبه ضرباً من الحب، والذي يبرهن على ذلك هو أنه بعد زوال بهجة الأيام العسلية ومع طول الألفة والتكرار، يخفت سطوع هذا الجمال ويتجرّد من جاذبية النظرة التي تمت منذ أول وهلة، فإذا كرر النظر فيها اكتشف أنّ وضاءة الصورة، قد خبت جذوتها المشتعلة وتداعت مغناطيسيتها، ولم تعد تستهويه كما كانت قبلاً، وأدرك أنّ جمال الأعماق لا بد أن يكون جنباً إلى جنب مع المظهر الشكلي ليتحقق حينئذ الرونق الأخاذ. وبطبيعة الحال لا يمكن لأحد أن يقلل من قيمة الجمال، فالإنسان مفطور على الانجذاب نحوه، لكن المحذور هنا هو الاعتماد على (الجمال وحده فقط)، وعدم مراعاة الجوانب الأخرى كنضج الوعي والثقافة والتفاعل المشاعري؛ فالجمال إذا لم تتآزر معه عناصر أخرى كدماثة الخلق وخفة الدم الآسرة وحسن التبعل، فإنه لا يمكن غالباً أن يؤسس للتوافق النكاحي. تستطيع المرأة أن تحتفظ بفتنتها وجاذبية شخصيتها إلى مراحل عمرية متقدمة، لكن ليس بقدرتها الاحتفاظ بإشراق الصبا ووضاءة الشباب، والرجل يحتاج إلى شخصية المرأة قبل أن يحتاج إلى جسدها. هناك بعض الزوجات تكون جميلة، ولكنها نكدية تعشق النكد بكافة أشكاله متسلّطة تبدو دائماً متجهمة وفي صراع يومي متصل، تريد أن تكون هي القيادية وصاحبة القرار، مع أنها لا تملك مقومات ذلك، فمثل هذه يتعسّر - إذا تجاوز السيل الزبى - أن ينبض قلب الرجل بحبها، بل ستُنفره منها إن لم تحفزه على مهاجمتها؛ هناك من هي جميلة لكنها على درجة عالية من الغباء، ولذلك فهي جميلة ما دامت صامتة، حالها كما التمثال المتحرك!، لكن إذا نطقت شوّهت جمالها، فهي لا تجيد التحدث إلا بشكل يعكس سطحية رؤيتها وعدم نضجها التفكيري، والرجل غالباً يعشق المرأة الذكية البارعة في تعاملها، بل إنّ ذكاءها في كثير من الأحيان هو مفتاح جاذبيتها وسحرها الخلاّب؛ الزوجة الغبية تُزهّد زوجها في الحياة معها وقد ينساق بغير طوعه إلى التطلع إلى سواها ممن قد تبزها في مقومات العقلانية والرقة والجاذبية والدلال ممن تحدوه ليهفو عليها بكل جوارحه وتملأ عقله وقلبه. وبالتالي ستدفع الثمن باهظاً من نفسيتها وصحتها، وستهدم عشها بيدها ومن ثم تصبح جزءاً من الماضي الذي لن يعود. الجمال الأخاذ يكون غير ذي قيمة في بناء الانسجام الروحي، إذا كانت صاحبته لا تستطيع أن تحقق للرجل ما ينشده على المستوى الحسي والنفسي، فهي مثلاً عاجزة عن إدارة شؤون بيتها أو ميّالة إلى المصادمة أو نزاعة إلى التسلّط وفرض الوصاية على الزوج، أو كانت كفارة للعشير أو تبدو دائماً مكتئبة مشوّهة نفسياً، وتعاني من جملة من الأمراض المتنوعة التي تعيقها عن إتقان فن النفاذ إلى وجدان شريكها، ومن ثم لا يتسنّى لها أن تستخرج بأنوثتها كل ما فى الرجولة من عطاء، أو لا تجيد سوى فن الصمت الذي تبيت جراءه كالآلة الصماء أو كجزء من الديكور اللازم للوجاهة الاجتماعية!. أي قيمة لجمال يصاحبه ضعف حاد في الشخصية يجعل الزوجة كالطفلة لا تستغني عن حضن أمها، فهي لم تفطم بعد! ولذا فليس لها رأي مستقل ولا تستطيع أن تتخذ قراراً من تلقاء ذاتها، ضعف شخصيتها يدفعها إلى إفشاء أسرارها، فتطلع غيرها على أدق تفاصيل حياتها الزوجية، حتى يراكموا جبل الجليد على علاقتهما الخاصة ومن ثم يقودون حياتها نحو الهاوية المخيفة، وأحياناً تصيخ سمعها لمن تشبعن بما لم يعطين، ممن ينسجن من خيالهن خيوطاً لمواضيع متعددة، وممن يطرزن كلماتهن بالأكاذيب فهذه سافر بها زوجها، وهذه منحها هدية خيالية الثمن، وهذه قد ضحى بأهله لسواد عيونها، وهذه بزعمها جعلت زوجها كالبقرة الحلوب فهي لا تكف عن استنزافه، وهذه نجحت بمساعدة أهلها في إخضاع زوجها وامتلاك زمامه حتى صار أكثر انقياداً من أي وقت مضى، وهذه استطاعت أن تصمم زوجها على الشكل الذي يروق لها، وغير ذلك من الكلمات التي منها ما هو مختلق في أصله ومنها ما هو مشوب بإضافات مشوهة، وإيحاءات مزيفة لا تفلح إلا في التقليل من قيمة الزوج، وبالتالي فصم عرى التآلف البيني. الجمال إذا لم يكن معه عقل ناضج فهو يكون مشوهاً ولا يكتسب معناه وفاعليته وتأثيره؛ بل يكون سبباً في اتساع المسافات النفسية بين الزوجين، ومن ثم يصبح البيت كبيت العنكبوت يتمزّق عند أدنى نسمة هواء. وصفوة القول: فالمرأة التي يشعر الزوج بالحاجة الدائمة لوجودها في حياته، هي تلك الزوجة التي تتمتع بالأنوثة الحقيقية، فهي تتمتع بالجمال في مستوييه: المادي المتجلّي من جهة، والكامن اللامرئي والنابع من الأغوار الذي ينعكس داخلياً، ومن ثم يؤسس لإشعاعاته خارجياً فتتمظهر آياته بارزة على نحو ملموس من جهة أخرى؛ إنها تلك المرأة الجميلة الذكية الماهرة في تعاملها والقادرة على التحديث في أنماط حياتها والتجديد في إيقاع تعاطيها وكسرالإيقاع التقليدي.
Abdalla_2015@hotmail.com