مثيرة وعجيبة الاستفتاءات التي تقدم على النت، ليست الغرابة في نتائجها فقط، وإنما فيما تحمله من صيغ وأسئلة، ناهيك عن الضعف التقني الذي تحمله في الغالبية منها، بحيث يمكن للمصوت أن يضيف صوته أكثر من مرة ومرة، لتصبح النتائج أصلاً غير دقيقة أو مقبولة ولا يمكن الاعتماد عليها كمؤشر لرأي عام أو جماعة.

حيث تتجمهر جماعات نحو النيل من موضوع استفتاء وتوجيهه لصالحهم طبقاً لرؤيتهم الأيدلوجية أو الثقافية أو الاجتماعية وحتى الرياضية، مما يجعل الأخذ بنتائجها كمؤشرات أو لتوجه اجتماعي أمراً مشكوكاً في صحته، وتدور حوله شبهات عدة تقنية وفنية وموضوعية.

ومع كثرة الاستفتاءات على الإنترنت في المواقع العربية تظهر نكهة طريفة ولطيفة في هذه الاستفتاءات التي تسأل عن اللون المفضل، أو عدد أكواب القهوة أو الشاي يومياً، والملابس والمكياج والفن وحتى الفتوى والطبخ.

وفي جولة على الإنترنت تجد استفتاء غريباًً عن الضحك: (هل تفضل الضحك في الأماكن العامة؟).

نتائج الاستفتاء تقول لا في الغالبية، إلا أن مثل هذا الاستفتاء لا يعني سن قانون يمنع ويحرم أو يجرم الضحك في الأماكن العامة، تخيل أن يقبض عليك متلبساً بالضحك في مكان عام؟. استفتاء آخر: (هل تفضل أن تكون الأسواق خالية من الشباب تماماً؟). نتائج الاستفتاء تفضل ذلك. ورغم العدد المتواضع للمصوتين إلا أن الموقع أمطر بمئات الأصوات في الأيام الأخيرة قبل إغلاق الاستفتاء الذي يسمح بالتصويت بشكل مستمر، فهل يتطلب ذلك إغلاق الأسواق وتقبيلها، بناء على نتائج الاستفتاء؟.

الاستفتاءات هذه تعطي رؤية مضللة عن الناس واحتياجاتهم ورغباتهم بشكل تتداخل فيه الغرائبية بالأدلجة والتوجيه، كما التدليس الواضح، مما يتطلب الدقة في التعاطي معها.

وعلى كل حال قد تقبل الاستفتاءات لمعرفة سلوك الناس الاجتماعي وعاداتهم اليومية ومواقفهم الاجتماعية أحياناً، وذلك بغرض التوصل إلى تكوين فكرة عامة عن الاتجاهات والأذواق وليس محاكمتها واتخاذ القرارت أو تبريرها في ضوئها.

ليس من المقبول - مثلاً - الاستفتاء عن قضايا محسومة سلفاً، مثل القضايا الدينية المتفق عليها، وليس مقبولاً أن يكون الاستفتاء حول ضرورة التعليم أو التوظيف ونحوها، أو عن حقوق المعاقين، كما لا يمكن من خلال استفتاء عن برنامجك المفضل أن تلغى البرامج التلفزيونية الأخرى من القائمة، وليست نتائج استفتاء عن صحيفتك المفضلة يعني إيقاف بقية الصحف الأخرى، لكنها مؤشرات عامة ليس إلا.

سيكون من الظلم التعاطي مع هذه الاستفتاءات على أنها حقائق، ومع نتائجها على أنها أحكام، لأنها لن تبقي ولن تذر شيئاً مباحاً، من لا يريد أن يضحك في الأماكن العامة - مثلاً - فله الحق، لكن ليس من حقه أن يحرمنا من الابتسامة ونشر ثقافة الفرح والترفيه في حياتنا.

إلى لقاء

* * *