في كتابها (زوجي ثروت أباظة) تروي السيدة عفاف عبد العزيز أباظة زوجة الأديب الشهير موقفاً طريفاً عن زوجها وهو وإن كان موقفاً طريفاً إلا أنه أيضاً موقف دال في الوقت ذاته بما لا يحتاج معه إلى أي تفسير أو توضيح، تصف السيدة عفاف زوجها بالقول انه (كان صريحاً وليس عنده ميل أو مواربة وأكبر دليل على صراحته الزائدة ووطنيته المتعصبة هذه الواقعة:
فقد زرنا المملكة العربية السعودية لأداء العمرة، وحدث أن دعانا ناشر سعودي يطبع كتباً على العشاء في منزله، وبينما نحن على المائدة بدأ الداعي الذي يقطع الخروف الذي هو علامة من علامات الحفاوة هناك وسأل ثروت:
- هل رأيت كورنيش جدة؟
- نعم.
- أوَليس أجمل من كورنيش القاهرة؟
- فهب ثروت وارتفع صوته وقال له:
إن مصر ليس عندها أول كورنيش فقط وإنما عندها أول حضارة في العالم عمرها 7000 سنة، فلا تقارن بينها وبين غيرها. فبهت الداعي ولكنه أمّن على هذا الكلام باللفظ والإشارة.
هذا الموقف الذي تحدثت عنه السيدة، عفاف أباظة أعاد إلى ذاكرتي مواقف مماثلة ولكنها هذه المرة مواقف إعلامية وليست شخصية، فقد دأبت الكثير من وسائل الإعلام السعودية على طرح هذا السؤال الإشكالية على ضيوف المملكة القادمين إليها من الخارج.
ففي العام الماضي على سبيل المثال كان أحد المذيعين السعوديين يسأل طفلة عربية لا يتجاوز عمرها العاشرة جاءت لتشارك ضمن فريق فني في تقديم عرض مسرحي للأطفال في مهرجان الصيف الذي أقيم في الطائف العام الماضي، كان المذيع يسأل الطفلة بجدية بالغة عن رأيها فيما شاهدته في المملكة؟ المذيع بطبيعة الحال كان يريد أن يسمع من الطفلة رداً إيجابياً على هذا السؤال، كأن تقول أنها أعجبت بالمملكة وبالتطور الذي شاهدته، ولكن لصغر عمر الطفلة لم تستطع الإجابة على هذا السؤال، ومع هذا لم يستسلم المذيع الهمام حيث أخذ يعيد طرح السؤال على هذه الطفلة بصيغ مختلفة محاولاً أن يقرب الإجابة إليها قدر المستطاع ولكن جهوده باءت بالفشل الذريع.
قد يكون طرح هذا السؤال مقبولاً في بدايات النهضة في المملكة، أما وقد تجاوزت المملكة اليوم بواقعها المتقدم حضارياً الكثير من البلدان المجاورة فلم يعد لائقاً أخذ شهادات تفوقنا من آخرين تجاوزناهم بمراحل كبيرة في مسيرة تطورنا وإذا كان لا بد من طرح هذا السؤال فليكن على دول وشعوب سبقتنا في مسيرة التقدم والحضارة بحيث يكون لهذه الشهادات وجهتها وقيمتها.
هذا السؤال القضية أتمنى وآمل أن يعاد النظر إليه بجدية من قبل الإعلاميين السعوديين، فلغة العمل والإنجاز هي أكبر من يعبر ويتحدث بصدق عن واقعنا اليوم.
Malmadi777@yahoo.com