تواجه الدول والحكومات في الجانب الاقتصادي كثيرا من العوائق والعراقيل التي تعطل دفة وحركة الاقتصاد حيناً أو تستنزف الجهد المبذول للنجاحات في أحايين أخرى، واقتصاديات الظل أحد أهم تلك العوائق التي تواجهها الحكومات والمؤسسات والمكاتب الاستشارية حين البحث والدراسة، والمقصود هنا باقتصاديات الظل هو كل عمل أو نشاط يمارسه الأفراد أو الجماعات ولا يتم إحصاؤه أو حصره بشكل رسمي ولا تستطيع الحكومات كذلك حصره أو متابعته أو إدخاله ضمن الدخل القومي، وقد أظهرت دراسات أجراها صندوق النقد الدولي بأن الاقتصاد المستتر والخفي تزايد معدلات نموه في الدول النامية بشكل ملحوظ وطاغ، حيث أوضحت الدراسات أن معدلات ذلك النمو تصل إلى 35 - 40% من الناتج المحلي في الدول النامية، وفي الدول الشرقية يتراوح بين 20 - 30% وفي دول منظمة التعاون الاقتصادي يتراوح بين 14 - 16%، ومن أهم الإفرازات التي تفرزها تلك الاقتصاديات انه كلما زاد معدل اقتصاديات الظل على حساب الاقتصاد النظامي أدى ذلك بدوره إلى إحصاءات غير دقيقة ومضللة وأدى بالتالي إلى عدم تخصيص الموارد الاقتصادية وسوء توزيع الناتج المحلي على الخدمات والأفراد والبنى التحتية...، كما أنه له بالغ الأثر على المجتمعات من الناحية الأخلاقية والسلوكية والتي يجب أن تتم المعاملات بين الأفراد على الوازع الديني والمنطلقات الدينية والأخلاقية والرقابة الذاتية والعمل تحت الضوء لا في الظلام، كما تعمل خفافيش الليل، كما أن اقتصاديات الظل تعطي الأفراد غير النظاميين والمتهربين من دفع الرسوم والضرائب مساحة أكبر للعمل في ظل هذه الدوائر، وبالتالي سوف تفقد الحكومات إيرادات كثيرة تؤثر سلباً على إيراداتها وعلى ميزانياتها العامة، وبالتالي على الإنفاق العام وكذلك رفاهية مواطنيها، ويلعب الباعة المتجولون والمقيمين بطرق غير مشروعة وكذلك العمالة التي تمارس أعمالا غير مرخص لها ومحولي العملات والنقود بطرق غير مشروعة الدور الأكبر في نظام اقتصاديات الظل هذه، ويدخل في إطار هذه الظاهرة كل ما يدور حول تلك الاقتصاديات من غسيل أموال وتبييضها وكلها مترادفات لبعضها وهما مدلولان متقاربان يختلفان في المفردة ويلتقيان في المعنى، وهي بأبسط تعريفاتها استخدام الحيل والوسائل والأساليب للتصرف في أموال مكتسبة بطرق غير مشروعة وغير قانونية ومن ثم إضفاء صفة الشرعية والقانونية عليها وهي عادة أموال اكتسبت من خلال الرشوة، والغش التجاري، وتحويل النقود، بيع المخدرات والبغي، ومصطلح غسيل الأموال هو مصطلح مرادف للاقتصاد الخفي والاقتصاديات السوداء أو الاقتصاد المستتر أو اقتصاديات الظل، وكلها تعني كسب الأموال من مصادر غير مشروعة وأحيانا نتيجة خلط هذه الأموال الحرام بأموال أخرى تكون في الأصل أموالا حلال ومن ثم استثمارها في أنشطة مباحة ومشروعة لإخفاء صفة الشك والشبهة الطاغية عليها، وتعاني المملكة العربية السعودية كغيرها من الدول من اقتصاديات الظل متمثلة في التستر التجاري الذي تقوم وزارة التجارة مشكورة بمحاولة الحد من انتشار هذه الظاهرة الخطيرة والتي تستنزف الاقتصاد ومقدراته على حد سواء، ومن أهم المظاهر الخطيرة التي من الممكن أن يفرزها التستر التجاري هي إفشال سياسة الاستقرار الاقتصادي لما يسببه من إعطاء سياسات مضللة عن الأرقام الفعلية والواقعية لاقتصاد البلد والتي من أهمها معدلات البطالة ومعدلات النمو الاقتصادي، أي أن واضعي الخطط والدراسات الاقتصادية وكذلك وزارة التخطيط وذوي العلاقة سيواجهون أرقاما غير حقيقية عند وضعهم للخطط والسياسات الاقتصادية وبالتالي سيؤدي ذلك إلى نتائج غير حقيقية، وقد أدى ذلك قيام كثير من التجار بالمناداة من الحد من ظاهرة الغش التجاري الذي يترتب عليه آثاراً وانعكاسات ضارة على الاقتصاد والفرد، وفي محاضرة ألقاها الدكتور عبدالعالي العبدالعالي مدير عام مكافحة الغش التجاري بوزارة التجارة في السنتين الماضيتين عن الآثار السلبية التي يتسبب بها الغش التجاري والتي خلصت إلى أن تلك الآثار تتركز في.. الأضرار بالاقتصاد الوطني والشخصي، المخاطر الأمنية والاجتماعية، زيادة أرقام البطالة، المنافسة غير المشروعة، انعدام العدالة في الدخول بين الأفراد، زيادة حالات الغش التجاري، تحويل نقد ضخم خارج البلد، احتكار الوافد لبعض الأنشطة التجارية، تضليل راسمي السياسات الاقتصادية عن الأرقام الفعلية، وفي اغلب ظني أن هذا المصطلح يندرج تحت تعريفه أيضا كل عمل لا يؤثر إيجابا على الاقتصاد الكلي بشكل مباشر أو غير مباشر كالأعمال التي لا تقوم على توظيف الأفراد كالتجارة في بعض الأراضي وبعض أنواع العقارات وهناك أعمال سلبية كثيرة تصب في هذا الاتجاه، ولو أننا في هذا المقام حاولنا إرسال أشعة الشمس على مناطق الظل لوجدنا أن معظم هذه الإشعاعات ترتكز على زيادة الرقابة الذاتية على أنفسنا، عدم الإفساح للعابثين بالاقتصاد أن يتحركوا كيف شاءوا والإبلاغ عن كل ما هو ضد الأنظمة والقوانين، وعمل خطوط مباشرة وعلى مدار اليوم في الجهات ذات الاختصاص والتي لها علاقة بهذا الأمر، عدم الاتكال والتواكل على الوافد ليسير أمورنا، عدم استسهال الكسب المادي واكتسابه بطرق غير مشروعة وأخيرا الالتفاف حول هذا البلد المعطاء وأن يكون كل مواطن مجنّد لخدمة هذا الوطن ورد يد العابثين والطامعين والذين ينتشرون بالظل ويتطايرون وقت الظلام.
كاتب سعودي
Kmkfax2197005@hotmail.com