مدهش أن بيئة الإنسان المعاصر كلما تطورت وسائلها، وتعددت منجزاتها وأخذت أشكال تحديثها في السرعة، وظهرت معالم حضارة التقانة والابتكار والعلوم والتجريب والاختراع تتزايد وضوحاً واكتشافاً، وتتعالى أصوات المنشدين الحقوق للإنسان ليمتع بعافية لها مصاحها وأدويتها ووسائل تشخيصها والوقاية من أدوائها، والزيادة في روافد سلامتها، وكذا حقه في الحياة حرية وقراراً وممارسة واختياراً، مما تهافت بالنداء به الجاهل الهادر جنباً إلى جنب مع العاقل المتريث.. تزداد انتكاساتها جوراً على كل ذلك.. تتزايد الحروب في حين السلام مطلب, ويتسع الإجرام في حين الأمان منشد، وتتعدد الأوبئة في حين المصحات تعج بالأطباء والمختبرات والأدوية والاكتشافات والصناعات، ويزداد الجهل في وقت لم يعد طفل في البيت، وتنتهك الأعراض في وقت يدعي الإنسان فيه خلقاً حضارياً وسلوكاً واعياً، وتتضاعف أعداد التافهين الفارغين على منابر الضوء في الوقت الذي يتقلص فيه الضوء عن الحكماء والعارفين والممتلئين خبرة وتجربة وعلماً ومعرفة..
مدهش أن تتأسى على الإنسان في وقت مشرعة فيه كل أبواب الخير والسلام والصحة والعلم والوعي له..
ومدهش أن تنصب الموازين للقشور.. وتوضع عن البذور..
فلا دهشة بعدئذٍ أن يهب الخنزير للإنسان داءه..
ولعله أن يشاركه بعد ذلك دواءه..