السمو الخلقي من أهم الشروط اللازمة لنجاح المسيرة الزوجية؛ فدماثة الخلق ولين العريكة وحُسن المعشر صفات ضرورية لا يمكن لمن لا يتخلق بها أن يكتب لحياته الزوجية البهجة المرجوة من وراء تلك العلاقة الخاصة،..
وكم من بيت تفكك وانهار بسبب تدني مستوى التعامل لدى الزوج وتصعير خده للمواثيق الأخلاقية. سوء الخلق عند الزوج له عدة مظاهر، سأسلط الضوء على أبرزها: أولاً. ظلم الزوجة بإساءة معاشرتها؛ فهو لا يعاملها بتلطف وأريحية وإنما بطريقة تبتّ أواصر الرباط الوجداني وتحيل المنزل من واحة للأمن إلى مصدر لضروب النكد فيستعرض عضلاته بكل فظاظة ويلعب دور الأسد الهصور على زوجته المسكينة والمغلوبة على أمرها؛ فهو يستغل أدنى خطأ لتوبيخها. لسانه تصحر من مفردات الإطراء البانية لأريج الحب والمشيدة لعبق الوجد التي تعتبره الزوجة بلسماً شافياً ومكافأة ثمينة للعمل المضني الذي تقوم به, لكن بعض الأزواج لا يدرك ذلك, وإن أدركه ضن به عليها!. المرأة في بعض البيوت لا تنبس ببنت شفة، بل تصمت على مضض؛ فهي إن نطقت طُلقت وإن سكتت هُمشت؛ لأنها مع زوج حاد الطبع تستفزه الكلمة والكلمتان، يبدو دائماً شاهراً سيف الطلاق، لا يكف عن التهديد به؛ فهو يعتمده كآلية لإشعارها بالذل, فكلما بدت بينهما بوادر خلاف هددها به, أو في أحسن الأحوال توعدها بالزواج عليها!. أما إن كانت ساكنة عند أهله فلا تسأل عن حالها! فهم يتعاملون معها كالخادمة، لا يقيمون لها وزناً، وليس لها اعتبار, وإنما هي من سقط المتاع؛ فهم يتحدثون معها بلغة فوقية وتعال مقيت، يشعرونها بدونيتها وكأنها من عالم آخر غير عالم الإنسان! يحرضون زوجها عليها بذريعة أن المرأة ما ينفع لها إلا (العين الحمراء ولا تعطى وجه)، لا تخرج حتى لأهلها إلا بموافقة خطّية من قبلهم, ولا تخطو خطوة إلا بعد استئذانهم، البيروقراطية الأسرية ضاربة بأطنابها هنا! ومهما أحرزت من براعة في عملها المنزلي إلا أنها لا يمكن أن تحظى بثنائهم فلا يروقهم شيء (لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب!) وقد يثنون على غيرها تنكيلاً بها وحسداً لها.. هذا الزوج الذي (لا يهش ولا ينش) مع أهله هو الآخر لا يكف عنها أذاه، فضلاً عن أن ينتصر لها ممن ظلمها, وهو آذان صاغية فكل ما يريده أهله منها يوجب عليها تنفيذه فوراً وعدم إبداء أي نوع من الاعتراض. هذا النوع من الأزواج الذي يستأسد على زوجته هو في غاية الضعف مع أهله ف(كلمة تودّيه وكلمة تجيبه) والضحية في نهاية المطاف هي تلك المرأة الكسيرة.
ثانيا: كثرة غياب الزوج وضآلة جلوسه مع شريكة حياته؛ فهي تصطلي بلواعج الهجران, لا تراه إلا على مأدبة الطعام أو في مخدعه عندما يستسلم للسبات العميق، لا تجد المساحة الوقتية الكافية للتواصل معه والبوح له بما يستجد من أمور فضلاً عن أنها لا تشعر من جراء غيابه الطويل بأي انسجام عاطفي معه؛ لأن الزوج غير مؤهل للتصدي للأعباء الأبوية ولا يعرف المعنى العميق للحياة الزوجية؛ فهو يحصرها في حدود العلاقة الجسدية والإشباع الغريزي؛ الأمر الذي أفقد علاقتهما بهجة الحياة الأسرية التي استحال إكليل وردها إلى قبس ناري لا تنفك ألسنة لهبه عن الاضطرام. هذا الزوج لا يختلف عن المراهقين في شيء! فهو يمضي سحابة نهاره وجزءا من سواد ليله مع أصحابه في المقاهي والنوادي والاستراحات والشقق المفروشة، وقد تخالسه فكرة التسكع في الأسواق! تاركا زوجته وأطفاله خلف ظهره في جلسات سمر تستمر حتى ساعات الفجر الأولى. يمضي ليله لاهياً مع ندمائه بينما تقضي الزوجة المسحوقة التي يبدو عليها وطأة الإجهاد ليلها مسجونة خلف الأبواب محبوسة بين الجدران وسط ضجيج صغارها فهم ينتحبون ويتبرمون ويتشاجرون، ومنهم من يعاني نوبات المرض التي تهاجمه باستمرار!.
لقد كانت زوجته تتوسم فيه الرجولة وحنان الأبوّة ودفء الزوج، وتخاله من الرجال الكُمّل، وإذا بها أمام زوج ليس أهلاً لتحمل المسؤولية, في أيامه الأولى كان يرتدي قناعاً في غاية السماكة، لكن هذا القناع سقط بعد شهر العسل, وانقلب العسل إلى حنظل؛ فهو نموذج لبرود المشاعر والتسلط والتجاهل القاتل.. في البداية اغترت بجاذبية مظهره فتجرعت مرارة مخبره.
كانت تأمل أن يكون في داخله إنسان مرهف حساس وجداني ينضح بالشاعرية والعطاء، وإذا بها تفاجأ بذَكر في منتهى القسوة فهو يهملها - والإهمال للمرأة قتل لها - ولا يعبأ بها ولا يكترث بأولادها.
الرأي له وحده؛ فلا يستشيرها ولا يقبل أن تبدي رأياً مغايراً, وإن أفصحت عنه ذات اضطرار مّا هاج وماج وزمجر، فما يقوله حتمي التنفيذ لا يقبل المراجعة بأي حال من الأحوال، لا يحترم أفكارها ووجهة نظرها ولا يهتم بذوقها واختيارها وملاحظاتها، فهذا بنظره يقلل من رجولته المتوهمة!.
كثيراً ما يقارنها بغيرها بغية إظهار قصورها, ويطالبها بأن تكون كأمه وأخواته باعتبارهن النموذج الذي من المفترض أن تنسج على منواله، مع أن تلك الزوجة قد تمتلك من المقومات ما لا يتوافر لديهن، لا يحدثها إلا نزرا, وإن تحدثت لا يصغي إليها؛ ما جعلها تهرب إلى الوحدة التي مزقتها من الأعماق؛ فهي تشعر بكرامة مسحوقة لن تندمل جراحها مع الزمن.
الحزن جاثم على صدرها، تأصل فيها ونما في شرايينها، ووضعيتها النفسية آخذة بالتدهور لافتقارها إلى الحنان والتدليل وإلى الجرعات المكثفة من الدفء الذي يشع في جنبات قلبها الحالكة ويحقق لها الارتواء الوجداني, فالزوجة بحاجة ماسة إلى دفقات من المشاعر تحتفظ بها في غياهب كينونتها، ونتيجة هذا ليست لحظية، بل هي مجدية على المدى الطويل, وعدم تشبعها بذلك ينعكس سلبا على تعاملها مع أبنائها.
ثالثا: البخل؛ فأبناؤه يعيشون حياة العوز، ومع أنه أحياناً قد يكون من ذوي اليسار والثراء إلا أنه يشح بالنفقة عليهم، فالبخل إحدى ملكاته النفسية التي تصدر عنها إفرازاتها دون اختيار؛ ولذلك فهو مهما حسنت حاله المادية ومهما فاضت خزائنه إلا أنه لا يمكن أن تمتد يده بالعطاء.
البخيل بطبيعته يبخل حتى بما لا يملكه! ولو استطاع أن يمنع الهواء فلا يُستنشق إلا بمقابل لفعل؛ لأن للمال مكانة مقدسة في قلبه فقد أُشرب حبه وامتزج بلحمه ودمه.
الزوجة المسكينة تعيش في منتهى الضيم؛ فهي تمضي زهرة شبابها مكتوية بنار البخل محرومة من التنعم بمَسرات الحياة؛ فهي ترى غيرها يستمتع بما حرمت هي منه, أبناؤها يعيشون حالة من اليتم المبكر؛ ما تسبب في تفجير مرارتها, ومرر عليها معيشتها وحوّل حياتها إلى جحيم لا يطاق!.
Abdalla_2015@hotmail.com