عوَّدنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على اهتمام غير عادي بالقضية الفلسطينية للخروج بها من الأنفاق المظلمة إلى ما يهيئ ويعزز صمود أهلنا في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي الغاشم..
وبحكمته وخبرته ودرايته وبعد نظره فقد وظف لها -حفظه الله- كل إمكاناته وقدراته؛ بحثاً دائماً ومتواصلاً منه عن علاج لمواقع الألم فيها..
وكلما كانت هناك مشكلة مستعصية يحتاج حلها إلى تدخل منه فإنه حينئذٍ صاحب مبادرة وتدخل سريع وفي موقع المسؤولية القومية للدفاع عن الحقوق الفلسطينية..
ولا يمكن لعبدالله بن عبدالعزيز أن يغيب أو يتوارى عن الأنظار، بينما هناك تأزم في الموقف الفلسطيني، أو انحراف من البعض عن مسار الطريق الصحيح.
***
والملك عبدالله بن عبدالعزيز -بنظري- بقيّة باقية من القادة التاريخيين..
وهو بالتأكيد الملاذ والأمل -بعد الله- لإنقاذ الأرض الفلسطينية مما تتعرض له من تآكل ضمن هذا السعار الإسرائيلي غير الطبيعي للقضاء على الهوية الفلسطينية..
حيث التهميش الإسرائيلي المستمر لكل القرارات ذات الصبغة الدولية التي تعطي الحق للفلسطينيين في إقامة دولتهم الحرة والمستقلة والقابلة للحياة وعاصمتها القدس.
***
خطاب الملك عبدالله الذي وجهه للرئيس الفلسطيني بوضوحه وصراحته وما تضمنه من رؤى وأفكار، يمثل جرس إنذار قوياً لكل الفلسطينيين..
فهذه الخلافات والصراعات والاتهامات التي تتطور وتتفاقم بين الفصائل الفلسطينية -وتحديداً بين فتح وحماس- إنما تلقي بظلالها القاتمة على المستقبل الغامض والمدمر للدولة الفلسطينية المنتظرة..
ومثلما قال الملك عبدالله بن عبدالعزيز، فإن العالم كله لو أجمع على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، فإنها لن تقوم والبيت الفلسطيني منقسم على نفسه شيعاً وطوائف.
***
وخادم الحرمين الشريفين إذ يستشعر بمسؤوليته على هذا النحو -وكما يفعل دائماً- في تعامله مع ما يجري من تطورات بين الحين والآخر في الساحة الفلسطينية، فإن حجم ألمه وشعوره بالمرارة والخوف على مصير القضية الفلسطينية سيظل يرافقه ما بقيت هذه المشكلة تراوح في مكانها من دون حل..
فهو الآن، وأكثر من أي يوم مضى، يخشى على القضية الفلسطينية أن تضيع بعد سنوات طويلة من النضال المشرف والكفاح المشروع بسبب هذه التجاذبات التي تحمل مؤشرات تنذر بما هو أخطر وأنكى على مستقبل القضية الفلسطينية..
وهذا ما دفع به إلى توجيه هذه الرسالة - الوثيقة- متمنياً ومناشداً ومحذراً وناصحاً إخواننا الفلسطينيين لمعالجة ما يجري في البيت الفلسطيني من خلافات في الداخل وليس بتدخل من الخارج..
فالموقف خطير ويحتاج من الفرقاء، الآن وقبل فوات الأوان، إلى رص الصفوف وإعادة اللحمة وتضميد الجراح والعودة إلى طاولة الحوار والتراجع عن كل موقف سلبي يمس القضية الجوهرية بأية أضرار.
***
لكن عبدالله بن عبدالعزيز -وهو ضمير الأمة العربية والإسلامية وصوتها وصاحب المبادرات التصالحية بينها- حين يستحلف الأشقاء في فلسطين بأن يوحدوا صفوفهم، وأن يكونوا جديرين بجيرة المسجد الأقصى، بعد كل هذا الصراع المروع الذي أدى إلى انقسامهم إلى فريقين يكيل كل منهما للآخر التهم، إنما أراد في هذه الدعوة أن يوقف هذه التداعيات التي ترتب عليها كل هذا الأذى الذي بدأ ينهش الجسم الفلسطيني ويلحق به أبلغ الأضرار، وتبقى المسؤولية في الاستجابة لدعوة خادم الحرمين الشريفين مسؤولية الأشقاء في فلسطين.
***
لكن الأمر بدايةً ونهايةً يتوقف على العقل الفلسطيني والوعي الفلسطيني، بعد أن قدم الملك عبدالله بن عبدالعزيز تشخيصاً صحيحاً ودقيقاً للحالة الفلسطينية وعلاجاً ناجعاً لها..
وعلى الفرقاء أن يتدبروا أمرهم ويلتمسوا العلاج ويتحمّلوا المسؤولية التاريخية باستلهام ما ورد في خطاب خادم الحرمين الشريفين الذي وجهه من أرض الحرمين الشريفين باسمه وباسم ألف مليون عربي ومسلم..
وكلنا أمل أن يكون هناك تجاوب مع هذه المشاعر الصادقة التي عبَّر عنها الملك عبدالله بن عبدالعزيز بأفضل صيغة وأجمل تعبير، وفي خطاب تاريخي يمثِّل قمة الاهتمام بالقضية الفلسطينية.