مسكينة أنت أيتها المطلقة؛ فأنت محكومة بنظرة اجتماعية نائية عن الإنصاف، تحاصرك بدوائر من القيل والقال، وتحيطك بأرتال من الإشاعات ليس من أقلها تحميلك مسؤولية ما جرى لك حتى ولو كان ذلك ناجماً عن ظرف خارج عن إرادتك, بل حتى ولو كان بسبب زوج نزق مستهتر لا يراعي حرمة العقد المقدس!. النظرة الاجتماعية للمطلقة نظرة ازدرائية قاتلة؛ فالرجال ينظرون إليها على أنها استُنزِفت وتم استهلاك طاقتها ولم تعد قادرة على تأدية دورها..
... وأنها باتت عالة على أهلها وحملا ثقيلا على المجتمع؛ ما جعل تلك المطلقة تلاحَق بالشكوك وتعاني تعليقات الآخرين فالهمسات تطاردها في كل مكان وتتسبب في إصابتها بالكثير من الإحباط، وما نقموا منها إلا أنها مرّت بتجربة لم يحالفها النجاح، ولكي تتجاوز المطلقة تلك البرهة الحرجة في حياتها أشير إلى عدة نقاط كما يأتي:
أولاً: ضرورة العمل على نسيان الماضي وعدم الأوبة إليه واعتباره جزءا من التاريخ الذي أسدل عليه الستار. تناسي الماضي يتم من خلال تركيز الفكر في المستقبل والتخطيط لاستقباله وإشغال الذهن فيما له مردود إيجابي عليكِ مع محاولة التجافي عن رؤية أو معايشة كل ما من شأنه أن يعيد بذاكراتك إلى الوراء واستحضار الأيام السالفة.
ثانيا: ملء وقت الفراغ وعدم الجلوس بمفردك؛ فالوحدة قاتلة حتى ولو كانت وضعية الإنسان في غاية الاستقرار، فما بالك بمن يمر بظروف في منتهى القسوة؟ الاندماج مع المجتمع والتواصل مع الآخرين يقلل من فرص الاستسلام لنوبات الهواجس والإغراق في الوساوس. إن ازدحام الوقت ببرامج عملية جادة يجعل المرأة تنصرف عن التفكير بماضيها وتنشغل عن تذكر أحداثه فهي تستغرق جهدها وتستنفد طاقتها وتستنزف وعيها على نحو يساعدها على التحرر من الذكريات المريرة وبالتالي تطوي صفحات الماضي من دون تفكير بالأوبة إليه. القضاء على مساحات الفراغ أو على أقل تقدير تحسيرها إلى أدنى حد ممكن لا يتيح مجالا للتفكير في شريك الحياة الماضي بل سيمحو رسمه من الذاكرة رويدا رويدا حتى يبدو لديك صفحة قد مُزقت ودلفت طي النسيان. عندما يكتظ الوقت بالالتزامات ويجد الإنسان نفسه مطاردا بعقارب الزمن حينها سيشعر بنوع من البهجة والانشراح وتضيق عليه دائرة التفكير في التجارب التي خاضها وحتى إن فكر فيها ذات أمة - زمن فباقتضاب شديد.
ثالثا: لا يكن ديدنك التعرض لمثالب زوجك أو التعريض به بل أشيري إلى ما يتحلى به من محامد أو على الأقل كفي عن ذكره وفوتي الفرصة على الفضوليين الذين يعشقون اقتحام الخصوصيات ويتطلعون لهتك الأسرار حيث ستلتقين حتما بشريحة من محترفي الغيبة ومروجي الوهم الذين يرومون الوقوف على حيثيات الطلاق، وستهتف بك أيضاً هي الأخرى مكامن الألم دافعة بك نحو التنفيس عما يختلج في كيانك من هموم، ولكن إياك إياك والتفاعل مع تلك الإغراءات وإبراز تفاصيل حياتك الآنفة، بل اختزلي الإجابة في اقتضاب مفاده أن التوفيق لم يحالفكما في تلك التجربة على النحو المطلوب. وبهذا تُوصدي الأبواب المشرعة أمام ذوي التدخلات السافرة الذين لا يقر لهم قرار حتى تكون أسرار البيوت في جعبتهم!.
رابعا: قولي لي ما نوعية تفكيرك أحدد لك نوعية حياتك, ضعي في ذهنيتك دائماً أن التفكير السوداوي المظلم المسكون بالتشاؤم لا يورث إلا وضعية حياتية مفعمة بمعاني اليأس ودلالات الإحباط, والعكس بالعكس. انظري إلى الحياة بتفاؤل عارم واستشعري التحدي لتنتفض مشاعرك؛ فالتحدي يستجيش العواطف ويصلّب روح المقاومة ويحرض كوامن الكينونة مستنفرا كافة قواها. الاسترسال مع هذا الشعور يولد طاقات حيوية يتسنى لك بموجبها خوض أعنف التجارب والخروج منها بنجاح. الخنوع والتفاعل السلبي مع التجربة يوهن القدرات ويجمّد الإمكانات ويوجه بوصلة الوعي نحو التمعن في الصور المظلمة والانحباس في إطارها الحالك على نحو يجعل تعافيكِ من متتاليات الانفصال شأناً دونه خرط القتاد.
خامسا: تعاملي مع تلك الفترة الحرجة بوصفها فرصة ذهبية لتطوير ذاتك وإثراء أفقها الثقافي عن طريق توسيع دائرة التواصل مع الكتاب ومصادر المعرفة أو حضور الدورات التدريبية أو الاتجاه إلى دراسة الحاسب أو التركيز على إتقان لغة أو إكمال دراسة لم تكن الأعباء الزوجية في السابق تسمح بالتفرغ لإكمالها.
سادسا: الطلاق ليس وصمة عار على جبين المرأة، بل قد يكون -أحيانا - هو النهاية السعيدة لعلاقة كئيبة تنضح بتعدد مصادر الشقاء، وكم من طلاق بات باعثا للزوجة على التحرر من وطأة الوضعية النفسية المرهقة والنجاة بما تبقى من عمرها لتتمكن من إكمال رسالتها وممارسة حياتها الطبيعية بعيدا عن الآخر. بل في بعض الأحوال يفترض أن تعي المطلقة أن الطلاق أحيانا ليس مشكلة بحد ذاتها بل هو حل لمشكلة ورحمة للطرفين. ليس من السائغ أن تندب المطلقة حظها وتتألم على اللبن المسكوب وتستدعي الأحداث الغابرة فتعيش عليها وتجتر معالمها.
سابعا: تعاني مجتمعاتنا من وطأة التقاليد البالية التي تدين المطلقة وتقسو في إسقاط الأحكام عليها وتسديد نظرات تشعرها بأنها المسؤولة الأولى عن تداعي عشها وانفضاض الشراكة الزوجية، وفي كثير من الأحيان المرأة نفسها تدين أختها المطلقة انطلاقا من موروث ثقافي عرفي جعل النظرة إلى المطلقة نظرة دونية تعمر قلبها بالأسى وتعيقها دون استعادة توازنها العاطفي.
ثامنا: ليست كل حالات الطلاق تقع فيها المسؤولية كلها على الزوج بل في كثير - إن لم يكن أكثر - من الحالات تكون الزوجة هي السبب الأول، وهنا لا بد أن تراجع نفسها وترصد أخطاءها وتكون أكثر خبرة وأعمق نضجاً على نحو يؤهلها لتفادي تكرار ذلك الإخفاق، ولتؤهل ذاتها لإتمام مراسم زواج آخر, مع ضرورة التريث ريثما تستعيدي توافقك النفسي, وعدم الاندفاع في الارتباط بزوج آخر لئلا يكون زواجك عبارة عن ردة فعل لا محسوبة قد تصطلين بنيران آثارها فيما بعد.
Abdalla_2015@hotmail.com