لم يكتف اليابانيون بالتفوق العلمي والصناعي الذي حققوه ونالوا على اثره اعجاب العالم وانما اتجهوا إلى صناعة أخرى لا تقل أهمية عن الأولى ان لم تكن أخطر، صناعة تشكيل العقول والوجدان الإنساني وأعني بها صناعة الأفلام السينمائية العالمية، جاء اليابانيون إلى هوليوود معقل هذه الصناعة مدججين بالمال الوفير والفكر العميق، ليتثمروا هذه الوسيلة المهمة في الترويج والتعريف باليابان الأخرى..
يابان التاريخ والاسطورة التي تضرب بجذورها في أعماق موغلة في القدم لتقدم الهوية المميزة لليابانيين والتي قد لا تكون معروفة للآخرين كما هي معروفة اليابان الحديثة اليوم، فشاهدنا على مدار ساعتين من الزمن فيلما عالميا قدم فيه صانعوه صورة رائعة من تاريخ اليابان، ملحمة الساموراي الأخير حيث تتصارع فيه قيم الحب والكره والانتصار والخسارة والوفاء والخيانة وكل عناصر المتعة والاثارة والانبهار.
عبر هذا الفيلم شاهدنا الاستثمار الذكي لأسماء أشهر نجوم هوليوود في التمثيل والاخراج والانتاج تعمل وتبدع عشرات من الافلام العالمية وهو ما استمر وأنتج اعمالا رائعة من التراث الياباني العريق بحيث أصبح ملفتا للنظر تكاثر الافلام العالمية التي يشارك فيها نجوم هوليوود المعروفين في العالم كله إلى جانب مشاركة نجوم أمريكيين من أصول يابانية فجاء الساموراي الأخير من بطولة النجم العالمي توم كروز تحفة فنية وجمالية رائعة نجح في ايصال حضارة اليابانيين وارثهم التاريخي، بل استطاعوا ايضا تغيير الصورة النمطية التي حاولت أفلام هوليوود سابقا تكريسها عن اليابانية وانهم شعب عنيف ومتخلف.
بُعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية وما ذكريات بيرل هاريور والقاء القنابل الذرية على هيروشيما ونجازاكي ببعيدة.
العرب اليوم أشد الناس حاجة إلى استسلام التجربة اليابانية في استثمار السينما العالمية في خدمة قضاياها والاستفادة منها خصوصا وان العرب يواجهون حربا اعلامية لتعمد تشويه تاريخهم وحضارتهم وواقعهم خاصة بعد احداث 11 سبتمبر وتقديمهم في صورة نمطية ظالمة ومتحاملة.
لماذا لا يبادر العرب إلى استثمار هذه الوسيلة العالمية الخطيرة في إعادة تصحيح الصورة العربية وخصوصا وان التاريخ العربي الإسلامي يحفل بالكثير من القصص الواقعية والمثيرة لأبطال وقادة وزعماء وعلماء وأدباء كانت لهم مساهماتهم الثرية المهمة في الحضارة الانسانية وخاصة حينما كانت أوروبا في عصورها الوسطى تغط في سبات من التخلف.
جميع الامكانات لنجاح هذا التوجه متوافرة، فالمال موجود والقدرات البشرية المؤهلة موجودة ايضا، الامر كله يحتاج فقط إلى ارادة إلى قرار لترجمة هذه الآمال إلى واقع يشاهده العالم أجمع وامامنا تجربة عربية ناجحة قام بها المخرج العربي مصطفى العقاد رحمه الله مع شركاء عرب حيث انتج فيلمين عالميين اولهما فيلم الرسالة عن الاسلام والآخر فيلم (عمر المختار) المجاهد الليبي الذي قاوم الاستعمار الايطالي لبلاده وهما فيلمان ناجحان بكل المقاييس ويشاهدهما الملايين من سكان الأرض ويستمتعون بعرضهما مرات ومرات.. ما أحرانا كعرب بأن نواكب العصر ونحاول استثمار امكاناته العلمية المتقدمة لخدمة الانسان العربي المسلم وفي مقدمة ذلك استثمار السينما العالمية في اعطاء الصورة الحقيقية للانسان العربي في واقعه وتاريخه.
malmadi777@yahoo.com