أحياناً تنداح الرؤية وتتسع حيال ما نقرؤه من آراء تستقطب الفكر وتحرك المشاعر فنجد فيها ما يوحي بل ما يحث على تطبيق ما اشتملت عليه مما يصلح الشأن ويرتفع بالناس إلى كل ما يسمو من مقام في العلم والعمل ناهيك عما تتسع له الآراء من رسم الطريق المؤدية إلى الغاية المنشودة والتوصية بالنهوض إليها مهما كلف الأمر، لأن طلب العلا لا يأتي بالتمني وملاحقة الآمال الكاذبة، وإنما يأتي بالعزيمة والإصرار على الصعود بكل صمود فكري وعقلي وحركي.
واندياح الرؤية فيما يقوله أهل الفكر وصنّاع الحكمة ليس إلا منهجاً من المناهج التي يحقق بها الإنسان مقاصده وآماله.
ولو أننا تتبعنا سير من سبقنا أو عاصرنا ممن نالوا مكانة مرموقة في مجتمعهم لتبين لنا أنهم جدوا وثابروا، وامتطوا العزيمة حتى نالوا ما استحقوا الثناء عليه.
ومن استقرائنا لنجاحات العظماء نجد أنهم يوصون بوصايا أشبه ما تكون بالصكوك على التعهد بالنهوض إلى العلا وعدم التفكير بالانهزام أمام كل ما يعتري مسيرتهم من عقبات وعرقلات تسبب لغير ذي العزم إحباطاً يجعله يعيش في الحضيض ذليلاً جباناً يستجدي أصحاب الهمم وذوي المعالي، ويقف كأنه لا يملك فهماً ولا يعقل شيئاً مما فهمه أولئك العظماء الذين رفضوا الانهزامية بجميع صورها وأشكالها فجنوا ثمار كفاحهم وحصدوا إنتاج ما زرعوا.
وفيما يتعلق بكتابة الصكوك على الإقدام والتصميم على النهوض إلى العلا يقول الشاعر العراقي معروف الرصافي 1875- 1945م:
ألا فاكتبوا صك النهوض إلى العلى
فإني على موتي به لموقِّعُ(1)
(1) ديوان الرصافي ص58، 60 شرح وتصحيح الأستاذ مصطفى السقا الطبعة الرابعة عام 1373هـ - 1953م.