يقتبس القارئ العربي غالباً من الغرب حكمه، وأمثاله، وما يعبر به عن أفكاره، وما يجد فيه ضالته من معان مما يقرأ مباشرة أو عن قراءات غيره من بني لسانه، ومما يقتبس نفسه أو مقتبس عن سواه منهم، ونادراً ما تجده يضع أو يردد أو يفيد فيما يقتبس عن كتاب ومفكري وعلماء ومربي وباحثي العرب.. إذ المحدثون منهم ذواتهم تقوم ثقافتهم العامة وفي مجال اختصاصهم المعرفي أيضاً على أولئك..
نجحت بامتياز جهود المؤثرين على مر عقود من الزمن في شرخ بنية الثقة في الذات لدى العرب، ولحقت ببنية الثقة في المسلمين منهم في هدوء تسربها المدروس والمعمول عليه،..
فبمراجعة مسحية لما يكتبه الكتاب، ولما يصنفه الأدباء بل العلماء أيضاً، ولما يبحث فيه المربون، والمؤرخون والرحالة، والباحثون والجميع في جميع المجالات، يضعونه في قراطيس منشورة في صحيفة أو على الأثير، أو ملمومة بين أغلفة أو في أقراص حافظة، سيجد الجواب،
فكلمة الأجنبي ضالتهم، وأفكاره منهلهم، وعباراته حكمتهم، ومصنفاته مصدرهم.. فإن ذهبت تؤيد ما للعلم للعلم، ورددت الرافد للنهر في ثقة وصدق وأمانة واعتراف، لكنك ستدهش من ميل النفس المطلق فيهم عند اقتباسهم لعبارة في قصة، أو جملة في قصيدة، أو قول في دورية.
ذلك لأن التأثير فيها لديهم ليس الأسلوب ولا الفكرة ولا الدلالة ولا المعنى، وإنما الهوية، ذلك لأن الأصل في الإبداع أن يكون قد وضع في لغاته الأم وما نقل للعربي بلسانه إلا عن نفسه أو غيره، فلئن أدرك المقتبسون فيما يقرأون منه المعنى فيه، وبلغتهم الدلالة ضمنه، لكن يبقى ما للغة والأسلوب والعلاقة بينهما وبين القارئ مفقوداً، مما يعزز عامل الالتفات لآثار الآخر، والخروج المطهر من آثار أبناء لغتهم من علمائها، وحكمائها وباحثيها.. و.. ومبدعييها.
فالاقتباس محور مهم لدراسة نزوع العربي عن جلدته.. والشواهد فيما نقرأ ونسمع لا تحصر....
مما سبق، أتمنى أن تصل الفكرة، فإن العودة لمنتج الفكر الإنساني على شساعة الأرض مطلب ملح لا نلغيه، وسلوك أساس لا ننكره، للذواقة بمثل ما هو للبحّاثة والدارسين، وإنما ما يذهب القصد إليه هنا، هو اللهاث الدؤوب بغير وعي في دروب قصية عن منتج الذات القريبة.