قبل فترة وخلال الموسم التشكيلي الحافل الذي شهدته مدننا السعودية وفي مقدمتها الرياض ومحافظة جدة التي كانتا الأكثر حضوراً في مجال المعارض الشخصية أو الجماعية وقد برز من بين تلك المعارض تجربة متميزة تمثلت في معرض يحمل عنوان (عين القطر) وهو أحد مسميات النحاس، كما جاء في حديث الفنانة خلود البقمي صاحبة فكرة المعرض والمشرفة عليه تنظيمه بمشاركة مجموعة من التشكيليات اللائي وجدن مبتغاهن الإبداعي في هذه الخامة وقد حظي هذا المعرض بإعجاب واهتمام الساحة وتقدير المسئولين في أمانة جدة التي أشارت إلى تبنيها عدداً من الأعمال لتجميل ميادين مدينة جدة.
كما حظي المعرض خلال إقامته في بهو أمانة جدة باهتمام المسئولين بها ومنهم مدير عام إدارة التصميم الحضري بأمانة جدة الدكتور أشرف بن عبدالقادر الذي علق على المعرض قائلاً: إن هذه المشاركة تعد الأولى من نوعها في إقامة معرض للأعمال الفنية بالأمانة وسيفتح الباب واسعاً أمام مشاركات مستقبلية تهدف إلى دعم الفنانين والفنانات ونشر ثقافة الفنون بشتّى أشكالها والمساهمة في رفع مستوى الحس الفني لدى زوار المعرض من منسوبي الأمانة ونسبة كبيرة من المراجعين.
وأضاف الدكتور التركي أن المعرض يهدف أيضا إلى فتح الحوار الذهني والفكري والفني بين الفنان والإنسان العادي لتعزيز القدرات المعرفية والمهارات التعبيرية، خصوصاً أن الأعمال الفنية المقدمة من الفنانات المشاركات تخرج عن إطار الروتين اليومي من خلال نقاش هادف وترفيه ثقافي داخل الأمانة.
وثمن التركي جهود التشكيليات في تجهيز المعرض بأنفسهن ببهو الأمانة الرئيسي.
وأشاد د. التركي باختيار اللفظ القرآني لمادة النحاس (عين القطر) واعتبره بعداً جمالياً وآخر إبداعياً للمعرض حيث خرج عن النمطية، ونجح في اختيار اسم يعلق بالذهن ويرتبط بذاكرة المعرض، مع ما تحمله الأعمال من إمتاع البصر والروح من خلال التكوينات النحاسية التي أبدعتها أفكار لها علاقة بمفاهيم مصدرها الفنانات أنفسهن منها الانسيابية والتكامل والقيم البصرية للمادة المنحوتة وتفاعلها من خلال الهيكل والكتلة مع الضوء وزاوية الرؤية من خلال أساليب واتجاهات معاصرة تسيطر عليها درجة كبيرة من الحرية في الحركة والاتجاهات الثنائية على الرغم من كونها مجسمات ثلاثية الأبعاد.
قصة المعرض واختيار الخامة
لا شك أن مثل هذه الخامة تكشف القدرة الإبداعية عند من يتعامل معها فهي تجمع بين التصميم والنحت ابتداء من التخطيط على الورق ومن ثم تشكيل لقالب بالجبس أو الطينة (االصلصال وصولاً إلى إنتاج العمل النهائي بالصب بالنحاس بعد تذويبه وهي مراحل قد تكون صعبة على المرأة كونها تحتاج أحياناً إلى جهد جسدي وتفرغ تام ومتابعة دقيقة لكل المراحل فأي خطأ في أي منها سينتهي بفشل الفكرة.
حول المعرض التقت الصفحة بالفنانة خلود الجهني التي قالت عن الفكرة: إن المعرض الذي شارك به كل من الفنانات أماني الحازمي، وأمل الشلتي، وأمل الشافعي، وأنغام منشي، وثريا مؤذن، وخلود البقمي، وداليا مقيم، ودعاء شعلان، وسعدية الفضلي، وصبا سمداني، ورندة المعطاني، وصفية ميجان، ومنيرة العقيلي، وهناء با ناعمة، أتى كمشروع مقرر دراسي في كلية التربية الفنية لمرحلة الماجستير بجامعة أم القرى انتهى بتقديم مجسمات نحاسية حققت مستوى يليق بأن تظهر من خلف اسوار الجامعة ويراها الجميع.. فحرص سعادة الدكتور محمد هلال المشرف على تدريس المقرر على اظهارها للجميع بإقامة معرض فني يعرف المتلقي بهذا النوع من الفن.. ويثري ساحة المعارض النوعية التي تختص بمجال محدد.. وتبني مركز تسامي للفنون البصرية فكرة المعرض وقدم دعمه ورعايته بتشكيل فريق عمل اجتهد بوضع رؤية تنظيمية وإخراجية للمعرض لاظهاره بهذه الصورة المتميزة.
وعن مستقبل المجموعة واستمرار الفكرة قالت الفنانة خلود: نحن بحاجة لوجود مجموعات فنية تقدم معارض نوعية تهتم بمجال محدد لأن ما تقدمه سينعكس بشكل ايجابي على اثراء الحراك الفني لدينا.. وأتمنى أن نرى عين القِطْر2.. بفكر جديد وإنتاج مميز وإن اختلفت الأسماء مع بقاء الهدف بالسمو في مجال العمل النحتي من حيث المحتوى والمضمون والإخراج..
وعن اسم المعرض قالت عين القِطْر.. هو أحد مسميات النحاس التي ذكرت في القرآن الكريم فهي معجزة النبي سليمان عليه السلام.. وتم اختيار المسمى الذي يحمل دلالات متعددة لا تقف عند مسمى الخامة فقط وانما تتعداها لمضامين متعددة..اختزلناها في هذه العبارة عين القٍطْر (رافدٌ ننحت على ضفافه حلمنا الاكبر).
وحول تنفيذ الأعمال بالقوالب وأين تم صبها؟ قالت خلود البقمي: تنفيذ الأعمال مر بعدة مراحل.. بدأت بتحضير اسكتشات لعدة تصورات للمشروع الذي سيتم تنفيذه من الاستلهام من عدة مصادر كان من أبرزها الحرف العربي والبيئة البحرية والتطرق لأساسيات بناء العمل النحتي والأسس التي يقوم عليها.
واستكملنا مرحلة التحضير بتجهيز القوالب ونحت الأشكال وإظهارها بالشكل المطلوب تلا ذلك مرحلة الصب التي طبقنا فيها تقنية سباكة الرمل التي تتطلب وجود معمل لصهر النحاس.. استعنا بأحد المعامل وبعد الحصول على النسخة النحاسية التي استخرجنا منها عدة نسخ.. تم تطبيق بعض التأثيرات الملمسية لمعالجة السطح بواسطة الأحماض الكيميائية بتأثيرات متنوعة حسب رؤية كل فنانة ثم إخراج الأعمال بصورتها النهائية وحرصنا في إخراج المعرض أن يكون مغايراً للمعتاد وان نتخطى استاندات العرض التقليدية ونتجاوزها لأمر غير مألوف وأرجو أن نكون وفقنا في ذلك.
أخيراً..
المعرض بحق يستحق الاهتمام كونه يلامس حاجتنا لأعمال ميدانية نخرج بها إلى الواقع بعد أن أكدت المعارض والأعمال المسندية وقاعات العرض تراجع دورها في ايصال للثقافة البصرية وجذب الجمهور، لندعمها بأعمال ميدانية يمر بها الجمهور بشكل يومي تتبدل فيها حالات الضوء والظل.