Al Jazirah NewsPaper Friday  14/08/2009 G Issue 13469
الجمعة 23 شعبان 1430   العدد  13469
لا تجبرني على البوح

 

تخلصت من قشور، تصلخت عن جلدي هل هي بالفعل قشور أم تصلخات تلك الوشوشات أتت لتنخر أذنيّ وتبعث دبيباً من النمل على عنقي، تسير حتى النخاع، وتقرص بداخل حسي ما كان يجيش به فؤادي، هكذا هي الحقائق تأتي كقشور في الصباح وتصلخات في المساء ودبيب من النمل عند اللقاء وقرحة لاذعة عند المواجهة.

إذاً يا من أتيت لتنخر سمعي بكلمات كانت دافئة عابقة كندى الصباح.

اجعلني هكذا مغمضة العينين لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم.

اجعلني فقط صامتة، ولهذا الواقع الجديد هاربة، آه كم أرى انعكاس حقائقي على الأوراق، أهي مرآة أم وجهٌ آخر للمواجهة!!

جمالي، شبابي، عمري، قلبي الأبيض ليس هناك من يمتدح نفسه لأنه سيقال عنه كاذب، ولكن أريدك أنت وحدك فقط تقرأ وجه أوراقي، أمسح غبش الوشوشات، واجعل ابتسامة مشرقة تنفرج عن شفاهك وستعلم بالتأكيد أنني (صادقة).

لقد حملت نبضي ووضعته في آنية قلبك، فتشت عنها بداخلك واستأت من لذعة الحقائق.. (المرأة) في قلب الرجل نصف كأس ممتلئ والنصف الآخر فارغ، بينما (الرجل) في قلب المرأة كأس ممتلئة حتى الثمالة، بل سوف يتدفق بداخلها ويغمر حواسها وجميع مشاعرها، وستروض نبضها بالتأكيد إن كانت (خيول الأحاسيس) تجفل وتضرب بحوافرها على أرض (الهروب)، لن تهرب لأن (المرأة) طالما دخلت ساحة الحقيقة فهي ستروض نفسها بالتأكيد..

آه أيها الرجل يا من أراك كأسي الممتلئ، لقد روضتُ نفسي لك، وأقحمت النبض في قلبي ورسمتك بين سرب الحمام الأبيض لوحة سلام وعنوان أمان، بكيت عندما لم أجدك، وانداحت البسمات على شفتاي عندما عانقت عيناني عينيك وتقاطرت أحساسيس الدفء عند تصافح يمناي مع يُمناك.

صدقني أنَّ لوحتي هذه المرة خالية من ألوان الطبيعة، لم أجد (أيها الرجل) الشامخ في أعماقي ما أستطيع رسمه، لم أجد إلا لوحة بيضاء، وشماغ مُعلق على جانبها، اندمج البياض بالحمرة، هل أستعين منهما (لون الشفق)، أم عساي أعيد منظر العاصفة التي هجمت على السماء وانقلب كل شيء إلى (حمرة قانية)، فبعد الصفاء والنقاء للسماء الزرقاء أصبح غبش الحقائق يلون السماء والنوافذ بل وحتى القلوب التي تنبض بالخوف من (لحظة المواجهة)، انسحبت من (غبش الحقائق) ودفنتُ ريشتي في لون أزرق تقاطر على الأسطح البيضاء وأرسل صوتاً تسرّب إلى سمعي وربت بلطف على كتفي بل على قلبي، شعرت حينها (بلحظة أمان) كانت قد حلّقت مع (حمام السلام)، يا لهذا التناقض العجيب (حمام سلام أم لحظة أمان هاربة)؟ عاد اللون الأحمر إلى حدقتي عينيّ يريد أن يرسم بلون الدم مقتل طفل وتقاطر دماء البراءة على أرض الحقائق الموجعة، نبضات قلبي تعلو وتهبط، أغمس الريشة من جديد، يا إلهي الآن أعيش المواجهة مع الواقع، الريشة بالفعل تلونت بالدماء، ولكن أنا لا أطيق رؤيته أو أشم رائحته، آه رأسي يكاد ينفجر، أحاول الرسم، فلا أجد ما أعبر عنه، مضى من الوقت الكثير وأنا لا أزال أنصب هذه اللوحة البيضاء الكبيرة، أغمس الريشة في شتى الألوان، هناك خلفي الكثير من الصور ولكن هذا النبض (العصي) لم أجد له منفذاً بين أوراقي، اندياح الأحاسيس بداخلي، تراكم المواجع في قلبي، أنين الصمت يخنق آمالي.

آه لقد كنت بالأمس الحمامة المُحلقة في الفضاء حرة بلا قيود أو وعود!!!

كنتُ أحلق في الفضاء ثم أعود إلى (واحة البُسطاء)، آه ما أجمل حياة البسطاء هدوءاً سُكناهم، لذة طعامهم، صفاء قلوبهم، هدير أحاديثهم، التمام أجسادهم في مكان واحد وموطن واحد لا يسكنه إلا مَن ينتمي إلى (حياة الريف)، أعشق ذلك المكان حتى الثمالة ولا أزالُ أنتمي إليه، كيف وهو متنفس مشاعري ومتكأ أقلامي ومنبع ذكرياتي، هنا دفنت أجمل الذكريات وانقشعت عن عينيّ لوحة قد رسمتها بألوان الطيف والأحلام المُجنحة حيث (عالم الأخيلة) (أنا وهو) بعيدين عن واقع الألم نُحلق في سماء السعادة، نستنشق من زرقة السماء أمل اليوم ومن شعاع الشمس شفيف ابتسامة ترتسم على شفاهنا وننسى معها هموم الحياة.. أسير في لوحتي البيضاء وبعد أن وضعت اللون الأسود شق نورك سماء لوحتي، ابتسمت حين تساقط الدموع من عينيّ في صمت مُريب أنا ولوحتي وألواني وذكريات تسبح في سماء أحلامي وشماغك لا يزال يصور لي حقيقة الأمكنة وانفصالي عن واقع الأمس حيث التحليق بلا قيود، وبالرغم من ذلك كله لا يزال الرجل يركض في ساحة أحلامي كما تصورها لي لوحتي البيضاء (جواد لفارس) (شماغ رجولة) (قوة وحزم لا يلين).

وأخيراً ريشة الألوان تنبئني بنهاية واقعي (دثار الدفء) قد سقط على الأرض، لوّحت بكفي لك من بعيد علك تُعيدُ لي (معطفي) لأن الثلج يتساقط على أكتافي، أرى فمي مفتوحاً، وصوتاً غائراً في محاجر الصمت هل هو حلم أم كابوس لا، بل هي حقيقة أضعها بصمة على بياض لوحتي وأزيل غبش الحقائق.

هيفاء الربيع



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد