كان هذا العام ليصبح عام بهجة في أوروبا. ففي شهر نوفمبر/تشرين الثاني تحين الذكرى العشرون لسقوط سور برلين، كما مرت خمس سنوات منذ التوسعة الكبرى للاتحاد الأوروبي، وانتهى الانقسام الذي أحدثته الحرب الباردة إلى غير رجعة.
ولكن بدلاً من تجهيز الألعاب النارية للاحتفال وجد الاتحاد الأوروبي نفسه تحت النيران، بعد أن وضعته الأزمة الاقتصادية العالمية في مواجهة التحدي الأكبر منذ عام 1989. فبعد سنوات من النمو القوي والمرونة غير العادية تعرضت بلدان أوروبا الشرقية الجديدة العضوية في الاتحاد الأوروبي لضربات قوية نتيجة للاضطرابات الاقتصادية التي بدأت في الغرب.
وأصبح الاندماج في الاقتصاد العالمي، وهو المصدر الحيوي لرأس المال والاستقرار والإبداع، يشكل مصدراً للتهديد بالنسبة للعديد من هذه البلدان. ويصدق هذا على القطاعات المالية في المنطقة وعلى اقتصادها الحقيقي.
بيد أن السؤال العصيب الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت الأزمة قد تؤدي إلى انحلال التكامل الأوروبي. وهناك أربع قضايا رئيسية لابد من التعامل معها إذا كان لنا أن نضمن خروج أوروبا من هذه الأزمة وقد أصبحت أكثر قوة. تتعلق القضية الأولى باستمرار التوسع.
إن الاتحاد الأوروبي يشكل قصة نجاح غير قابلة للجدال؛ فهو يشكل أكبر منطقة اقتصادية متكاملة على مستوى العالم ويستحوذ على أكثر من 30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وحوالي 17% من التجارة العالمية.
وحتى مع الانكماش الذي شهده الاقتصاد هذا العام في بعض بلدان أوروبا الوسطى والشرقية، فإن انضمام هذه البلدان إلى الاتحاد الأوروبي كان سبباً في تعزيز نموها الاقتصادي الإجمالي، حيث تشير تقديرات المفوضية الأوروبية إلى زيادة إضافية مقدارها 1,75 نقطة نسبية في الناتج المحلي الإجمالي للبلدان الأعضاء الجديدة أثناء الفترة 2004-2009. أما بالنسبة لبلدان الاتحاد الأوروبي الخمسة عشر، قبل التوسعة الكبرى، فقد ساهم التوسع بصورة ملحوظة في نمو هذه البلدان من خلال فرص الاستثمار وزيادة الطلب الخارجي: 7,5% من صادرات البلدان الأعضاء الأقدم ذهبت إلى البلدان الأعضاء الجديدة في عام 2007، ارتفاعاً من 4,7% في عام 1999. والواقع أنه بحلول عام 2007 أصبحت بلدان أوروبا الوسطى والشرقية تشكل ثاني أهم مقصِد لصادرات بلدان منطقة اليورو.
لكن الانتماء لعضوية الاتحاد الأوروبي كان دوماً أكثر من مجرد تكامل اقتصادي وتدفق تجاري. والحقيقة أن منظور (العودة إلى أوروبا)، كما صاغه فاتسلاف هافيل ذات يوم، كان يمد الدعم للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الأساسية التي كانت مؤلمة في بعض الأحيان.
واليوم أصبحت عضوية الاتحاد الأوروبي تشكل حافزاً أكثر قوة من أي وقت مضى لما يطلق عليه الاتحاد الأوروبي (البلدان المرشحة) الثلاثة (كرواتيا، ومقدونيا، وتركيا) و(البلدان المرشحة المحتملة) الخمسة (ألبانيا، والبوسنة والهرسك، وكوسوفو بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1244، وصربيا، والجبل الأسود). وهذه البلدان تبذل أقصى جهدها للتحضير للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وعلي الاتحاد الأوروبي ألا يغلق أبوابه في وجهها. بل يتعين عليه إتمام المزيد من التوسعات: فقد أظهرت الأزمة الاقتصادية بوضوح أن الاتحاد الأوروبي لا يحتمل أية ثقوب سوداء في خريطة أوروبا.
القضية الرئيسية الثانية تتعلق بالبنية الداخلية للاتحاد الأوروبي. وتقدم معاهدة لشبونة التصميم الأساسي لكيفية عمل الاتحاد، ولكن على الرغم من الحاجة الملحة لزيادة مرونة وحرية حركة مؤسسات الاتحاد الأوروبي، فما زالت المعاهدة تنتظر التصديق. والواقع أن الأزمة الاقتصادية تجعل تنفيذ هذه الإصلاحات أكثر أهمية من أي وقت مضى.
ثالثاً، هناك اليورو. إن الدول الاثنتي عشر الجديدة في عضوية الاتحاد الأوروبي، التي انضمت إليه في عام 2004 ثم في عام 2007، ألزمت أنفسها بتبني العملة الموحدة ولكن بدون تحديد جدول زمني. ولهذا السبب كان توسع منطقة اليورو بطيئاً، وبصورة خاصة في أوروبا الوسطى وأوروبا الشرقية، حيث إلى الآن لم ينضم إلى عضوية العملة الموحدة إلا سلوفينيا في عام 2007 وسلوفاكيا في عام 2009.
ولكن الأزمة المالية والاقتصادية أظهرت الفوائد المترتبة على عضوية اليورو. فبعد مرور عشرة أعوام منذ تقديم العملة الموحدة أصبح لدى بلدان منطقة اليورو الستة عشر أقوى ثاني عملة على مستوى العالم، وهي العملة التي تشكل أكثر من ربع إجمالي احتياطيات البنوك المركزية من النقد الأجنبي والتي تفوقت على الدولار كعملة اختيارية لإصدار السندات الدولية.
إن الدور المتعاظم الأهمية الذي يلعبه اليورو يجلب الاستقرار، ولا شيء أكثر أهمية من ذلك في أوقات الاضطراب. لذا فإن البنك الأوروبي لإعادة التعمير والتنمية يشجع كل البلدان الأعضاء الجديدة في الاتحاد الأوروبي على رسم خطط جيدة ومقنعة للالتحاق بعضوية منطقة اليورو. ولكن بدون تخفيف لمعايير الانضمام إلى منطقة اليورو.
تتعلق النقطة الأخيرة بالتضامن الأوروبي. لقد جلب توسع الاتحاد الأوروبي قدراً أعظم من الازدهار، حيث تحسنت مستويات المعيشة في مختلفة أنحاء الاتحاد، وخاصة في البلدان الأعضاء الجديدة. لكن العديد من البلدان الأعضاء الأقدم استفادت أيضا وليس فقط بالمقاييس الاقتصادية الملموسة. فالنمو المشترك للشعوب والمناطق والبلدان يشكل الأساس الذي تقوم عليه أوروبا.
يتبنى الأعضاء الجدد في الاتحاد الأوروبي نماذج نمو تعتمد بدرجات مختلفة على رأس المال الأجنبي لتمويل الاستثمارات المحلية، وعلى أنظمة مصرفية أغلبها مملوكة لبنوك في أوروبا الغربية. وهو النموذج الذي خدم مصالح كل من البلدان الجديدة العضوية والقديمة العضوية على حد سواء. أنفق المستثمرون من بلدان الاتحاد الأوروبي الخمسة عشر القديمة 37,2 مليار يورو في أوروبا الوسطى وأوروبا الشرقية في عام 2006، وهذا تقريباً ضعف المبلغ الذي أنفق هناك في عام 2004 (19,1 مليار يورو). وعلى مدى السنوات الخمس الماضية تخطى الاستثمار المباشر الأجنبي في بلدان الاتحاد الأوروبي جديدة العضوية حاجز المائة مليار يورو.
ولقد مكنت هذه العملية شركات وبنوك أوروبا الغربية من التوسع إلى أسواق جديدة تتمتع بنسب نمو أعلى، وبالتالي تلبية الطلب المحتجز والاستفادة من إمكانيات لم تستغل بعد. ولقد ساعد هذا في توفير فرص العمل في أوروبا الوسطى والشرقية، بينما أسهم في دعم الرخاء في البلدان قديمة العضوية. والتخلي عن هذه البلدان الآن من شأنه أن يخلف عواقب اقتصادية خطيرة.
لقد توصل الاتحاد الأوروبي إلى الاستنتاجات السليمة عندما شدد على عدم تصميم حزم إنقاذ البنوك الوطنية على النحو الذي قد يؤدي إلى إلحاق الضرر بالشركات التابعة، كما شدد على ضرورة مضاعفة الأرصدة المالية المخصصة لمساعدة بلدان الاتحاد الأوروبي من خارج منطقة اليورو على مواجهة الأزمة إلى خمسين مليار يورو. فلا ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يقف موقف المتفرج عندما يكون التضامن مطلوباً.
إن الأزمة الحالية تقدم الفرصة لإظهار أن الاتحاد الأوروبي قادر على توفير الاستقرار والدعم والتضامن. وباتخاذ الخطوات الصحيحة الآن، فإن الاتحاد يرسي بذلك الأسس التي سوف تمكنه من الخروج من الصعوبات الحالية أكثر قوة واتحادا.
***
توماس ميرو رئيس البنك الأوروبي لإعادة التعمير والتنمية
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2009.
www.project-syndicate.org
خاص «الجزيرة»