يا لها من جائزة عظيمة، ومنحة جليلة، تفضل بها المعطي المنان على عبده ونبيه ورسوله الأمين تكرمة له، ورفعة لدرجته، وتسلية له عمَّا أصابه من تلك الأحداث الجسام، والأذى الجبار الذي كان يواجهه آناء الليل وأطراف النهار.
فالنفوس - بطبيعتها - تضعف وتخور أمام صعوبة الأحداث، وتنشط وتشتد مع الحوافز والتعزيزات الإيجابية، ويا ليت المربون المعاصرون يفقهون هذا المجال التربوي الحيوي، وأثره في نفوس الناشئة.
فسورة الكوثر أصغر سورة في القرآن الكريم تبين أحد مجالات التربية الإلهية العظيمة للنبي المصطفى محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فسيستفيد المسلمون من تلك السورة المعرفة العلمية الحقة لمجالات التربية العملية لأجيال الأمة.
فالفرد لا يقوى على مواصلة الصبر، وتخطي عقبات الطريق إلا بهدايا مادية، وحوافز معنوية، فالكوثر الذي أعطي للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - مكرمة إلهية هو: نهر عظيم في الجنة منبعه من الحوض المورود ويصب فيه، وقد جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: أغفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إغفاءة، فرفع رأسه مبتسماً، فقالوا له: لِمَ ضحكت؟ فقال (إنه نزلت عليَّ آنفاً سورة، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَر..)، حتى ختمها، ثم قال لهم أتدرون ما الكوثر؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: (هو نهر وعدنيه ربي عز وجل في الجنة، عليه خير كثير …الحديث).
لكن هل ينتهي الطريق بالهدايا والحوافز، لا بل يستمر العطاء باستمرار الفعل والأداء، والأمر بالصبر والتحمل بالتزود بالزاد المعنوي الذي يجنيه المسلم بالتقرب إلى الله تعالى بالصلاة والنحر.
فالعمل الموصل إلى الكوثر (الصلاة والنحر)، فالصلاة ذكر وتسبيح ودعاء وحركات جسدية تبعث في النفس قوة وعزيمة بالمضي في درب الإيمان بكل ثبات.
أما (النحر) فهو ذلك الشعار القويم لأهل الإيمان الذي يعلن فيه المسلم أن نسكه لله عز وجل وحده لا شريك له، ويستشعر فيه قوله تعالى: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ). فالتقوى زاد عظيم يستفيده المسلم من دفع تلك القربة بالنحر لله عز وجل.
وهكذا تظل التكاليف الإيمانية - أيضاً - هدايا من الله عز وجل تقرب بين العبد وربه، وتعين على الوصول إلى السلعة الغالية والمنحة الجميلة وهي بلوغ جنان رب العالمين.
الأحساء
drhuda87@hotmail.com