راحة المؤمن وسروره وزوال همومه وغمومه هو المطلب للحصول على الحياة الطيبة؛ ولذلك أسباب دينية وطبيعية وعملية واجتماعية، وأعظم الأسباب الإيمان والعمل الصالح؛ قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (97) سورة النحل؛ فأخبر تعالى ووعد مَن جمع بين الإيمان والعمل الصالح بالحياة الطيبة في هذه الدار والجزاء الحسن في دار القرار، يتلقى المسرات بالشكر والأحزان بالصبر والاحتساب. وقد عبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن) رواه مسلم.
ومن الأسباب التي تزيل الهم والغم والقلق الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل وأنواع المعروف، وكلها خير وإحسان، وبها يدفع الله عن البَر والفاجر الهموم والغموم بحسبها، ولكن المؤمن منها أكمل الحظ والنصيب، ويتميز بأن إحسانه صادر عن إخلاص واحتساب لثوابه؛ فيهون عليه بذل المعروف لما يرجوه من الخير ويدفع عنه المكاره؛ قال تعالى: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (114) سورة النساء؛ فالخير يجلب الخير ويدفع الشر ويعطي صاحبه أجراً عظيماً.
ومن أسباب الراحة للمؤمن في دفع القلق الناشئ عن توتر الأعصاب وإشغال القلب ببعض المكدرات هو الاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة فإنها تلهي القلب عن اشتغاله بذلك الأمر الذي أقلقه، وربما نسي بسبب ذلك الأسباب التي أوجبت له الهم والغم؛ ففرحت نفسه وازداد نشاطه، وهذا السبب مشترك بين المؤمن وغيره، ولكن المؤمن يمتاز بإيمانه وإخلاصه واحتسابه في اشتغاله بذلك العلم الذي يتعلمه أو يعلمه وبعمل الخير الذي يعمله، إن كان عبادة فهو عبادة وإن كان شغلاً دنيوياً أصحبها النية الصالحة وقصد بها الاستعانة على طاعة الله فيكون أثرها دفع الهم والغم والحزن.
ومن الأسباب أيضاً: اجتماع الفكر على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر وترك المستقبل بيد الله ونسيان الأحزان في الزمن الماضي؛ ولهذا استعاذ النبي - صلى الله عليه وسلم - من الهم والحزن؛ فكان هذا الدعاء حثاً على الجد والاجتهاد بما ينفع المؤمن في الدين والدنيا.
قال صلى الله عليه وسلم: (إذا أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن (لو) تفتح عمل الشيطان) رواه مسلم؛ فجعل الأمور قسمين: قسماً يمكن العبد السعي في تحصيله أو تحصيل ما يمكن منه أو دفعه أو تخفيفه؛ فهذا يبدي فيه العبد مجهوده ويستعين بمعبوده، وقسماً لا يمكن فيه ذلك فهذا يطمئن له العبد ويرضى ويسلم، ولا ريب أن مراعاة هذا الأصل سبب للسرور وزوال الهم والغم وسبب من أسباب راحة المؤمن.
ومن أكبر الأسباب لانشراح الصدر وطمأنينته: الإكثار من ذكر الله فإن لذلك تأثيراً عجيباً في انشراح الصدر وطمأنينته وزوال همه وغمه؛ قال تعالى: {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (28) سورة الرعد، فلذكر الله أثر عظيم في حصول هذا المطلوب لخاصيته ولما يرجوه العبد من ثوابه وأجره.
وكذلك التحدث بنعم الله الظاهرة والباطنة؛ فهي تدفع الهم والغم وتحث العبد على الشكر الذي هو أرفع المراتب وأعلاها، حتى لو كان العبد فقيراً أو مريضاً وقابل ذلك بالشكر على النعم التي حباه الله إياها، كان عنوان المؤمن الصابر الشاكر فيتضاعف الأجر وتزول الهموم والأحزان، وفي الحديث الصحيح: (انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم) رواه البخاري ومسلم.
كما أن من السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم وتحصيل الأسباب الجالبة للسرور والراحة نسيان ما مضى من المكاره واستقبال الأمور بالدعاء (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير والموت راحة لي من كل شر) رواه مسلم.
كذلك السعي في تخفيف الهموم والغموم وتوطين النفس عليها وقوة القلب وعم انزعاجه وانفعاله. والعاقل يعلم أن حياته الصحيحة حياة السعادة والطمأنينة والبعد عما يكدرها.
المستشار الشرعي والباحث الإعلامي عضو الجمعية الفقهية السعودية