كنت في المرحلة المتوسطة عندما بدأ فقيد الصحافة والإعلام الأستاذ محمد بن عبد الرحمن الجحلان -رحمه الله- خطواته الأولى في المجال الإعلامي.. كنا نعيش في حي واحد ونراه بشكل شبه يومي، كان إنساناً بسيطاً متواضعاً محباً للآخرين.. تقابله فيبادر بالسلام بابتسامته التي لا تفارقه، تدرَّج في المناصب حتى أصبح الرجل الثاني في صحيفة الرياض فازداد تواضعاً وقرباً من الآخرين.
عندما بدأت العمل الصحفي في جريدة الرياض ازددت قرباً منه فوجدته صحفياً مهنياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى محباً لعمله مخلصاً في أدائه، كان المسؤول الأكثر قرباً وتواصلاً مع المحررين والعاملين في الصحيفة كبيرهم وصغيرهم، يتعامل بشفافية لا تجرح الآخرين أو تقلل من شأنهم، لم يبخل يوماً في تقديم المشورة والتوجيه أو إبداء الرأي، وقد سبقني الكثير من الزملاء بالإشارة إلى مبادرات أبي خالد ودعمه للصحفيين في بداية مشوارهم، بل إنه كان المسؤول الأكثر دعماً للصحفيين في بداياتهم الصحفية.
** أحب مهنته فأخلص لها بلا حدود، ولأنه يبحث عن التميز دائماً فهو لا يتردد في البقاء داخل الجريدة ومواصلة العمل لأكثر من ثمانٍ وأربعين ساعة وقد شهدت ذلك في مناسبات كثيرة كان يحرص على متابعتها بنفسه حرصاً على تميز صحيفته وإرضاء لقرائها، أتذكر أنه عند إعلان قيام الدولة الفلسطينية لم يغادر مبنى الصحيفة لأكثر من يومين رغم معاناته من الإنفلونزا الحادة آنذاك، وعندما حدثته بأن لبدنك عليك حقاً رد بابتسامته بأن الصحافة مهنة المتاعب ولكن تعبها لذيذ عندما ترى ثماره وقد وجدت قبولاً لدى المتلقي.
** تبوؤه لمركز قيادي وتعدد مسؤولياته لم يمنعاه من متابعة ما يستجد من أخبار في المجالات المختلفة حتى ولو كانت في مجالات تبتعد عن مهام مسؤولياته وكان له العديد من المبادرات في تجهيز صفحات مختلفة لتغطية خبر أو حدث معين كما حدث في دورة الألعاب الأولمبية عندما سحبت الميدالية الذهبية لسباق 100م من الكندي بن جونسون بسبب تعاطيه المنشطات، حيث قام أبو خالد بمتابعة الخبر وإعداد صفحة مميزة شملت تغطية للحادث وردود الأفعال وعندما وصلت الصحيفة ظهراً وجدت الصفحة وقد تم الانتهاء من إخراجها ولم يتبق سوى اختيار الصفحة التي سيتم استبدالها بها.
** حدث أن أوقفت الصفحات الرياضية أثناء العدوان الإسرائيلي الغاشم على صبرا وشاتيلا تعاطفاً مع الشعب الفلسطيني الشقيق، مما قلل من تواجد محرري القسم، وعندما سمح بعودة الصفحات لم يكن هناك أي تواجد لمحرري القسم في ذلك اليوم فلم يتردد أبو خالد -رحمه الله- في إعداد الصفحة وتقديمها للإخراج في بادرة تنم عن روح التعاون وحبه للمهنة وغيرته على صحيفته.
وفي عام 1984 عندما تأهل منتخبنا لنهائيات أولمبياد لوس أنجلوس في تصفيات سنغافورة ووصول المنتخب لأرض المطار وكان في مقدمة مستقبليه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض كانت المساحة المخصصة لتغطية خبر الوصول لا تتجاوز ربع صفحة من صفحات الرياض الأسبوعي التي كانت تصدر كل يوم جمعة.. ولكن حس أبو خالد الصحفي وحرصه على تميز الصحيفة زاد المساحة المخصصة إلى (12) صفحة مثَّلت لنا عبئاً في بداية الأمر حيث لم يتواجد سوى ثلاثة أشخاص هم كاتب هذه السطور والزميلان سليمان العساف وإبراهيم العمر.. ولم نكن مستعدين لإعداد مثل هذه الصفحات، ولكن تواجد أبو خالد ودعمه وتعاونه معنا سهَّل المهمة فظهر ملحقاً متميزاً كان محل تقدير رئيس التحرير الذي منحنا مكافأة خاصة.
** كما أن مسؤوليات الفقيد ومكانته القيادية في الصحيفة لم تنسه أدواره الإنسانية التي عُرف بها، فهو كما أسلفت كان المسؤول الأكثر قرباً من كافة العاملين بالصحيفة صغارهم قبل كبارهم.. فكان -رحمه الله- صاحب المبادرات في تقديم المساعدة لمن يحتاجها.. فما ان يعرف أن أحد العاملين قد مر بظرف صعب يحتاج للمساعدة إلا ويبادر لمساعدته وكثيراً ما تجول بنفسه -رحمه الله- بين المحررين ومنسوبي المؤسسة لحثهم على التبرع لمساعدة المحتاجين ممن يمرون بظروف تستحق المساعدة.
** رحل أبو خالد عن دنيانا بجسده ولكن ذكراه الطيبة وسيرته الحسنة وعلاقاته المثالية وأعماله الخيّرة وحبه لمساعدة الآخرين ستبقى في قلوب محبيه الكثر وذاكرتهم.
رحم الله محمد الجحلان وأسكنه فسيح جناته.. اللهم نقه من الذنوب والخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم جازه بالحسنات إحساناً وبالسيئات رحمة وغفرانا.. اللهم ارحمه وعافه واعف عنه.. اللهم اجمعنا به في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء.
اللهم الهم والدته وأبناءه وبناته وزوجته وأشقاءه وشقيقاته والهمنا معهم الصبر والسلوان.
ناقد رياضي
mohd2100@hotmail.com