تتسابق المراكز البحثية حول العالم في بحث وتحليل مسببات الأمراض وإيجاد الحلول والعلاجات اللازمة لها وسبل ووسائل الوقاية منها ويتم رصد مبالغ وأرقام فلكية سنوياً لذلك حتى أن تلك الأموال قد تم تخصيص جزء كبير منها لتطوير سبل العلاجات التكميلية من عمليات تجميلية وأخرى ترميمية والتي تساعد وتساهم في زيادة الجمال والحسن بشكل عام.
بل ذهبت العديد من الدراسات في بحث وسائل إطالة العمر وإيجاد أدوية لتأخير العجز وزيادة مراحل الشباب وإبقاء مؤشرات النضارة والجمال وتحسين المنتجات التي تساعد على استمرارها.
لعلهم كانوا على صواب في ذلك، لكنني أتفهم جيداً أن الصحة ليست بتفادي الأمراض أو علامات الشيخوخة، والصحة ليست بتأخير التجاعيد وإطالة عمر الشعر والبشرة، والصحة ليست بإيجاد طرق ووسائل لتغير الشكل وتحسينه، والصحة ليست إيجاد بدائل علاجية والصحة ليست توفير أدوية ومستحضرات. إنما الصحة هي في العيش الكريم المقترن بحالة جسدية صحية. العيش الكريم الذي ينتج عن وضع اقتصادي نفسي اجتماعي أمني صحيح ومرضي.
لا يمكن للعلاجات أن تجلب الصحة ولا يمكن لطبيب ما أن يصف علاج لمرض أصاب إنسان على حساب حياته، بمعنى أنه لا يمكن الحديث عن علاج مرض ما بمعزل عن ما قد يسببه دواء لذلك العلاج وبالتالي يخطئ من يعتقد أن العلاجات والتي يتم صرف المليارات عليها يمكن أن تجلب الصحة للأفراد. إنما هي إحدى الأدوات المساعدة في توفير الصحة والتي لا ينبغي أن يتم إعطاؤها أكبر من حجمها بأي حال من الأحوال.
وكما تتسابق المراكز العلاجية البحثية في سبيل تحقيق ذلك، تتسابق الأنفس أيضاً في سبيل تحقيق المال وتكديسه ظناً منهم أن المال قد يجلب الصحة وأن في جمعه وتكديسه ضمان لأي منغص للحياة أو للصحة. ويتسابق آخرون في سبيل جمع السلطة أيضاً وتكبيرها ظناً منهم أيضاً أن في حظوتها مناعة ضد ما يمكن أن يعكر صحتهم وأنها أي السلطة قادرة على توفير حماية لهم من التوعك الصحي.
الصحة هي السعادة التي يعيشها الفرد بجميع أشكالها ومسبباتها وبما تشمله من راحة نفسية خالية من المنغصات، والحالة المادية الكافية وليست الزائدة ، الصحة هي السعادة التي يحيا الفرد في كنف ما تفرزه من حنان أسري وعطف وتكافل وتعاضد اجتماعي، الصحة هي السعادة التي يعيشها الإنسان عندما يتم تعاطيه علاج لمرض وصفه له طبيب لعلاجه من مرض آلم به وليس لتوفير الصحة له، الصحة هي في توافر البيئة الكريمة المناسبة للعيش والذي لا يمكن توفيرها من خلال علاج طبي أو دواء معين إنما من خلال قوة النسيج الاجتماعي الباعث على توفير السعادة والرضا والدافع على توفير الوقاية اللازمة من الأمراض.
بقي أن أقول أن منظمة الصحة العالمية قد عرفت الصحة بأنها جودة الحياة الجسدية والاجتماعية والنفسية وليست الخلو من المرض، فمن المسلم به أن تكون الصحة معتلة بالرغم من عدم وجود مرض. إلى لقاء آخر إن كتب الله...
dr.aobaid@gmail.com