تعد كلمة التمرد من المصطلحات غير المرغوب فيها من حيث مفهومها العلمي والعملي، ولكن أصبحت من المصطلحات المطلوبة في الكثير من الأحيان، فالواقع المعاش أصبح خليطاً من الأخلاقيات والقيم واللاقيم، ومن ثم أصبح التمرد عليه من متطلبات التعايش الاجتماعي مع الأسف، فالأنظمة التي لا تحترم وتطبق بناء على مبررات سنها ومنها المساواة وأخذ كل ذي حق حقه مدعاة للتمرد عليها، وإن كانت المثالية من سمات المتمرد أحياناً، لكن الواقع فرض عليه هذا التمرد.
فأنا أمارس مثاليتي التي أعتز بها وأرجو ألا يأتي اليوم الذي أهمشها فيه، وإن قلت نعم، فقد نزعت عن ذاتي قيمة اكتسبتها أسرياً وتربوياً واجتماعياً، وأحسب أن الأغلبية- ولله الحمد- لديهم نفس الشعور؛ لأن مصادر صياغة المثاليات المطلوبة وإكسابها متشابهة.
ومن أشكال التمرد على المسلمات في الواقع مجموعة الحقوق والواجبات ومصوغات تحقيق الذات التي قد يتعثر الحصول عليها وفق تطبيق النظام المؤسسي الذي يرى في الفرد أنه رقم أساسي لا يمكن تجاوزه أو القفز عليه، لأنه في النهاية لن يكون حاصل الجمع أو الضرب أو القسمة صحيحاً، فلا يمكن أن يكون جمع الأعداد من الواحد حتى التاسع صحيحاً عندما نهمش أو نسلب الرقم الرابع أو الخامس أو السادس وأي رقم في السلسلة العشرية سماته وخصائصه وحقوقه ومرتبته. عفواً قد لا يروق لبعض أن نجعل الفرد رقماً ولكن في عصر التقنية الرقمية أصبح الأمر حتمياً وفي ظل مكانة الرقم في المجتمع الرقمي لا بأس أن يكون الفرد رقماً.
وبقدر ما يكون هناك رقم مميز يسعى الأغلبية للحصول عليه بقدر ما يطمئن الشخص؛ لأنه أصبح رقماً ربما يكون مميزاً يوماً ما. فمكانة الرقم تشير إلى الرقي بالقدر الذي يرجى أن يكون في مستوى ذلك الرقي، هل هذا تمرد من نوع آخر؟ نعم قد نكون أنا وأنت رقماً ولكن قد لا نحظى برؤية مساحة الأرقام أمامنا أو خلفنا، وقد نسعى إلى تقليص المسافات التي أمامنا لنحظى بمكانة قيمية بمعنى أننا نتمرد بموقع لا يليق بنا كرقم ويصبح الذي بيننا وبين الرقم، أن الرقم لا يستطيع تكييف الموقع الجديد قيمياً؛ لأنه محدود بالرقم الذي أمامه والذي من خلفه، أما نحن فلم يعد لمن أمامنا أو خلفنا أي اعتبار مادامت ساحة التمرد تتسع لنا وتضيق على غيرنا ونلتفت إلى الخلف بعين ملؤها السعادة لعيون ملؤها التعاسة؛ لأنهم التزموا واحترموا القوانين ونحن تمردنا عليها فأي بطولة هذه؟
قيل عن الإنسان: إنه مبدأ وأقول والرقم مبدأ، وقيل عن سلوك الفرد: إنه نسبي وأقول: إن سلوك الرقم مطلق؛ لأنه استمر بالمقارنة.