هناك فئة من الناس استمرأت مضغ لحوم الناس في الصبح والعتمة ولا يوقفهم من ذلك دين أو مروءة ولا تقدير لضحاياهم، لكنها برأيي نتاج ثقافة وطباع لا تزول حتى لو زالت الجبال .
أتحدث هنا على خلفية الحفلة التي ألغيت لفنان العرب قبل أسبوعين فيما لازال صدى تشريحها مستمرا حتى اليوم وخروج مفتين جدد من قماقمهم وربما بعضهم مرّ بجوار التاريخ ولم ينتبه له، فرغب أن يشخبط على جداره كليمات تسد رمق (جهله) بل إن بعضهم حاول مراراً وتكراراً تجريد الفنان محمد عبده من إنسانيته وفنه وكبريائه وتمنى سحب بساط القمة الذي تمترس حوله فنان العرب طيلة الثلاثين عاماً الماضية بحجة أنه السبب في إلغاء الحفل، وضربه لمشاعر جمهوره عرض الحائط للوصول إلى مبتغاه.
هذه النظرية اعتدنا عليها كثيراً وهي جزء من ثقافة المؤامرة التي (تعشعشت) في أذهان البعض وهي لن تكون الأخيرة، ألم يحملوا محمد عبده وزر تدهور بعض الفنانين وفشلهم واتهاماتهم له بعدم دعم هذا وذاك وكأنه ولي أمر الجميع، ألم يقولوا بأنه حارب هذا وذاك وتسبب في سقوطه؟
محمد عبده كنت متصلاً به قبل عدة أيام في الليلة التي أعقبت حفلته في لندن وتحدثنا طويلا عن أمور شتى وتطرقنا لحفله التعويضي الذي ينوي إحياءه بعد رمضان، وهو قال لي (ولا أذيع سراً) إنه سيجعل من هذا الحفل لوحة فنية فاخرة ومعتقة بأغان قديمة ينوي فنان العرب تقديمها لجماهير جدة لأول مرة منذ سنوات عديدة وتطرقنا لواحدة من أشهر وأجمل أغانيه التي لم يغنها سوى مرة واحدة واخبرني بما يسر حولها ورغب الا يفصح عنها.
حقيقة أنا أنحاز لمحمد عبده وانحيازي هذا ليس اندلاقاً عليه وتمسحاً في ثوبه ولكنه تقدير مني لخمسين عاماً وهبها محمد عبده لملايين المحبين في أرجاء الوطن العربي، وهي سنوات لم تصل إليه في علبة فاخرة بل رافقها كثير من المعاناة والألم وهو واحد من الذين شكلوا تغييراً في خارطة الفن العربي.
m.alqahtani@al-jazirah.com.sa