خرج إلينا خلال السنوات القليلة الماضية نماذج من الشباب من الجنسين وقد أضاعوا هويتهم شكلاً ومضموناً، تسابقوا بشكل مقزز لنهل عادات وطباع أقرانهم بالغرب واتخذوا منهجهم طريقاً يسلكونه دون وعي وإدراك منهم لما يمكن أن يكون عليه حالهم إن استمروا في حالة التقليد تلك وترعرعوا في حضنها وكبروا عليها.
لا شك أن الغرب بما يملك من إعلام قوي قد استأثر بقلوب شبابنا قبل عقولهم وأظهر لهم حياة الغرب وكأنها الحياة النموذجية المثالية بقيمها ومعتقداتها. ونجحوا في ذلك بعد أن دخلوا قلوب شبابنا بطريقة إعلامية علمية مدروسة أظهرت السلبيات التي تعيشها دول الغرب على أنها إيجابيات يجب أن يتسابق على محاكاتها وتقمصها جميع الشعوب في العالم.
وإذا تجاوزنا الأمور الظاهرية التي تقمصها وقلدها شبابنا من الجنسين سواءً في طريقة اللباس أو الشعر أو خلافه، إلى الأمور النفسية الأخرى، لوجدنا سطحية في التفكير وضحالة في الثقافة وعجز في التعبير وصعوبة في التحدث. شبابنا اليوم أقدر ما يكون على تحويل معاناتهم النفسية إلى تعبير عن حاله جسدية ذلك لأنهم أضاعوا مفردات لغتهم وفقدوا قدرتهم على التعبير اللغوي واضطروا لتعويض ذلك بالمبالغة في الوصف وتضخيم الأمر في أحيان كثيرة، إنهم اليوم أقل نضجاً عاطفياً عن ما سبق وأكثر قبولاً للإيحاء ما أعطى مزيدا من الضوء الأخضر للإعلام الغربي لزيادة الجرعات التغريبية الموجهة.
أصبح الإسقاط من أسهل الأدوات التي يحملها شباب الأمة من الجنسين لتجاوز حالات الضعف الوجداني التي يعانونها والغربة التي يعيشونها، فأخذوا في إسقاط مفاهيمهم التي حملوها من الإعلام الغربي على كل جانب من جوانب الحياة وزادت حدة التوتر لديهم وسادت المعتقدات المتعلقة بالخرافات وغيرها وغابت القدرة على التمييز. غاب التأهيل النفسي فغابت معه شخصية الفتاة المقبلة على تكوين أسرة وإنشاء جيل، غابت الرقابة فاندثر الوازع الأخلاقي لدى الشاب المقبل على دخول مرحلة الرجولة. أصبح وجود النماذج السابقة في مجتمعنا أمراً محتوماً فحين تتوقع أن تكون الفتاة مكلفة وعلى قدر من المسؤولية الاجتماعية وقد تم تجهيزها وإعدادها بشكل يسمح بتحقيق ذلك، تفاجأ بأنك أمام طفلة في عقلها وأسلوبها وحركاتها وأمام امرأة في شكلها وحجمها. تصيبك الصدمة والدهشة حينما تعلم أنك تتحدث إلى فتاة يُفترض أن تكون في كامل عدتها وجهوزيتها للانتقال إلى مرحلة فكرية واجتماعية جديدة قد تم بناء العديد من الآمال على قدرتها في إدارة دفة الحياة الأسرية بما فيها من أدوار هامة يأتي على رأسها دورها كأم ودورها كزوجة وربة منزل، بيد أن واقع الحال يختلف عن ذلك، فنحن أمام ظاهرة مختلفة نوعا ما، أصبح لدينا في مجتمعنا عدد من الأنماط للفتيات في مقتبل العمر، فهناك النوع سابق الذكر وهناك النوع شديد المحافظة والذي لا يسمح للفتاة حتى في مشاهدة التلفاز أو التسوق في أماكن التسوق الحديثة وحرمة التحدث إلى الغريب أياً كان، بل يتم غرس مفاهيم مغلوطة للفتاة منذ الصغر بحجة تعويدها على قيم معينة، فيتم منعها من أبسط أدوات الطفولة من مشرب وملبس وأسلوب في الحديث والتعامل حتى إذا جالستها تعتقد أنك أمام فتاة معقدة مترددة مكتئبة لا تستطيع حتى إبداء رأي منفرد مستقل، وعلى النقيض تماماً، هناك من يعتقد أن في تعليم الفتاة منذ صغرها على الانفتاح والتجريب دون رقابة وتوجيه ونصح ما يجعلها تتمرس في حياتها ويكون لديها القدرة على التعاطي مع ما قد يواجهها من مشكلات وينمي لديها القدرة على الاستقراء والاستنباط في مختلف مناحي الحياة الأمر الذي جعلها تنفتح بشكل قتل معه روح الطفولة للفتاة ووضعها أمام تجارب وخبرات أكبر من سنها ففقدت بالتالي كل معاني البراءة في طفولتها وكل معاني احترام الآخرين لها في شبابها في ظل ما يتم تشكيله حولها من صورة غير مستحسنة.وما يقال عن الفتاة ينطبق في غالبيته على الشاب، ما أود قوله إننا في وضع خطير يجب التنبه له قبل فوات الآوان، وعلى الأسر والمؤسسات التعليمية الاستيقاظ ومواجهة ذلك الخلل التربوي الذي خلق لنا عددا من الشخصيات أحلاها مر بلا شك، فالتطرف والمغالاة في الشيء لا شك يؤدي لنتيجة عكسية لا يشعر بنتائجها السلبية سوى المجتمع مستقبلاً. الإشكالية التي نواجهها تكمن في اعتقاد البعض أن ما يقومون به أثناء تربيتهم لأبنائهم هو الصحيح وغيره الخطأ، ولذلك تجدهم حريصون على الاستمرار في ذات النهج ورفض أي محاولة لتعديل وإصلاح ما قاموا به، لذا علينا إن أردنا فعلاً أن نعمل على تغيير ذلك أن يتم بدايةً تثقيف الجيل الجديد المقبل على الزواج والإنجاب بأبجديات أساليب التربية الحديثة غير المتطرفة وغير المتشنجة، وتعليمهم أن ما يتم زرعه اليوم علينا تلقي حصاده وثماره غداً، وعلى المؤسسة التعليمية أيضاً بنسائها ورجالها تحريك ضمائرهم بشكل إيجابي وإصلاح أي اعوجاج يرونه أمامهم. أما من تجاوز تلك المرحلة العمرية، فلا أعتقد أنه من الحكمة التعاطي معهم لإيمانهم كما ذكرت بأن ما يقومون به هو الصحيح وبالتالي يصعب مع ذلك إحداث تغيير.
dr.aobaid@gmail.com