لم يكن يخطر في بال الآباء الثوريين في إيران أن يُستخدم دستور الثورة يوماً في التشكيك بمرشدها الذي يمثل خطاً أحمر في ثوابتها وخطاً أخضر في حياده ووقوفه عند المسافة ذاتها من البعد بين المتخاصمين في إطار ميدانها. غير أن الرسالة التي بعث بها رئيس الهيئة البرلمانية للإصلاحيين مؤخراً إلى محمد هاشمي رفسنجاني الرئيس الأسبق ورئيس مجلس الخبراء تمثل واقعاً جديداً يخرج الثورة من ورديتها إلى الواقع كما هو. فرأي الشعب لا يمكن أن يكون بذات الميزان مع قيم الثورة في نظر قادتها!
رسالة رئيس الهيئة البرلمانية للإصلاحيين تتضمن الطلب من رفسنجاني - وهو الرجل الذي يملك سلطة التعيين والعزل من المواقع القيادية - إجراء تحقيق قانوني وفقاً للمادة 111 من الدستور بحكم أن ذلك من اختصاص مجلس الخبراء. وهذه المادة تنص على أنه يجوز عزل مرشد الجمهورية في حالة أصبح عاجزاً عن النهوض بواجباته الدستورية. هذه الدعوة لا تستمد اليوم قوتها من مجرد حماسة شباب يُعتقد بأن الثورة كبلت طاقاته ودفعت بمقدراته إلى بؤر ساخنة لا تمثل في خريطة اهتمامه أي أولوية بقدر ما يدعمها علماء من قلب المدرسة الخمينية من قم ومشهد وأصفهان، يرون أن المرشد فقد صفته الروحية. وقد تجذر الخلاف ليتجاوز مجرد سلوك المرشد الفرد إلى الدعوة التي أطلقها هاشمي رفسنجاني في تساؤلاته حول مصير منصب ولاية الفقيه ودعوته إلى تبني نظرية جديدة في الفقه تحدُّ من صلاحيات ولي الفقيه التي وصفها ب (التقليد التخصصي) المخالف للنظرية السائدة والقائمة على (المرجع الواحد الجامع).
مستقبل الثورة اليوم في إيران بات مرتبطاً، وأكثر من أي وقت مضى، ببرامج التنمية والبناء وتوفير متطلبات العيش الكريم للشعب الإيراني وبناء علاقات إيجابية تستند إلى الثقة والتعاون مع جيرانها في حماية المنطقة من ويلات حروب ومؤمرات قادمة، فأمن الدول يكمن في الانتصار في معاركها الداخلية أكثر من المعارك الخارجية التي تبدد الإمكانات وتحشد الأعداء وتفرط في فرص البناء.