معركتنا مع الإرهاب تكاد أن تنتهي، أو هي انتهت بالفعل؛ فلم تعد ثقافته، ومعها ثقافة التشدد والتكفير، تحتل ذات (المكانة) التي كانت تحتلها قبل أن يُكشر الإرهاب عن أنيابه، ويَظهر للجميع أن الإرهاب هو الابن الشرعي (للتشدد).
في الماضي كان أهل الشاب إذا (تشدد) لا يعبؤون بتشدده كثيراً، بل كان بعض الآباء والأمهات يعتبرون تشدُّدَ أبنائهم حماية لهم - ربما - من الوقوع في أمراض الشباب وانحرافاتهم، وعلى رأسها المخدرات. الآن تنبّه الناسُ إلى أن التشدد الديني لا يقل خطراً؛ فمتعاطي المخدرات يضر نفسه فقط، بينما الإرهابي يضر نفسه وأهله وذويه، فضلاً عن الآخرين. والشاب المُتشدد مُهيأ أكثر من غيره للوقوع في شراك دعاة (الانتحار)، بدعوى الاستشهاد والظفر بالحور العين. لذلك فثقافة التشدد تنبّه إليها السعوديون، وأدركوا أن هذه الثقافة كالثعبان، أن تقتله صغيراً، خير لك من أن تتركه وتتساهل معه حتى يكبر ويتوالد ويتكاثر.
غير أن الخطر الذي أعتبرُه الخطر المستقبلي (الأول) بالنسبة للبلدان العربية، وليست المملكة فحسب، هو ارتفاع معدلات (الفقر)، وعدم بذل الجهود لمحاصرته لكيلا يتفاقم، ويجعل كل الجهود الرامية لاستئصال الإرهاب كأن لم تكن، ليعود وينمو من جديد طالما أن (الفقر) المسبب الأول للإرهاب لم يُحاصر. ولا يمكن أن تحاصر ظاهرة الفقر طالما أنك لا تعمل على محاصرة مسبباتها. وكل المؤشرات تقول: إن (الإصلاح الاقتصادي) هو أفضل الطرق على المدى المتوسط والبعيد، وربما القريب أيضاً؛ ربما أن هناك (مُسكنات) قد تنفع مؤقتاً، أما الحل فلا حل إلا الاقتصاد.
المسلمون في العالم قرابة المليار وثلاثمائة مليون نسمة على الأقل. بينما نجد أن أكثر المجتمعات إنتاجاً للإرهاب والإرهابيين تلك التي تعاني من مشكلات اقتصادية، أو ذات التفاوت في الدخل بين الطبقات المشكلة للمجتمع، ويتفشى الفقر بين أفرادها. وهذا ما يُفسر ارتفاع نسبة إفراز الإرهابيين في المجتمعات (العربية) عند مقارنتها من حيث الأعداد بالمجتمعات الإسلامية الأخرى؛ على الرغم من أن المجتمعات العربية لا تشكل سوى (الربع) من تعداد المسلمين في العالم. وحتى في المجتمعات العربية نجد أن أكثر الدول إنتاجاً للإرهاب، وتفشي ظاهرة التشدد الديني، هي الدول التي ترتفع فيها معدلات الفقر، وتقل هذه الإفرازات في البلدان الأفضل نمواً اقتصادياً، وانفتاحاً؛ خذ الإمارات مثلاً.
تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة لعام 2009 يؤكد هذه الحقيقة. فقد جاء في التقرير تحت عنوان (تحديات أمن الإنسان في البلدان العربية) أن (هناك 65 مليون عربي يعيشون في حالة فقر، موضحاً أن معدلات الفقر العام تراوح بين 28.6% و30% في لبنان وسورية في حدها الأدنى، ونحو 59.9% في حدها الأعلى في اليمن ونحو 41% في مصر). كما جاء في التقرير أيضاً: (وحسب تقديرات الأمم المتحدة ستضم البلدان العربية نحو 395 مليون نسمة بحلول العام 2015 (مقابل 317 مليونا في عام 2007 و150 مليونا في عام 1980). وهذا يعني أن عدد الفقراء في المنطقة - إذا استمرت الأوضاع الاقتصادية على ذات المنوال - سيلامس المائة مليون نسمة. وهذا يعني أن المستقبل - كما تقول هذه المؤشرات - يبدو أسود في المنطقة ككل، ما لم يتم تدارك مشكلات الفقر؛ وليس هناك - للأسف - ما يُبشر بأن ثمة جهوداً لمحاصرة الفقر؛ فالشعوب العربية، وكذلك قادتها، مشغولون أكثر بالقضية الفلسطينية، ونسوا أن (بيوتهم) أولى.. يقول - صلى الله عليه وسلم -: (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول).
إلى اللقاء.