توقفت عند أحد البوفيهات المتهالكة لأشتري كوباً من الشاي ينقذ أهدابي المنطبقة.. توقف أمام البوفيه جمس يوكون 2009 (سيارة تعكس مظهراً متحضراً).. ترجل من المقصورة الأمامية رجلان اعتم أحدهما شماغاً والآخر غترة، كانا ضخمي الجثة، عريضي المنكبين، عظيمي الكرشين.. فُتِحَ باب المقصورة الخلفية.. خرج منه رجل لا يقل عن صاحبيه ضخامة في الجثة أو عظماً في الكرشة، ولكنه كان يرتدي فنيلة داخلية ...
... (كت) وسروال (هاف) (مظهر يعكس تقهقراً حضارياً ويتضاد حتى النخاع مع السيارة 2009)...
غزو كغزو التتار أو أعنف!
اقتحم الثلاثة البوفيه في مشهد ذكرني باقتحام التتار لبغداد؛ فبادر أبو (هاف) بالدخول إلى مطبخ البوفيه، وأخذ يصرخ في عامل المحل المسكين الذي يعمل في البوفيه بفظاظة وفجاجة وجعير تلاقى تردد ذبذباته مع تردد ذبذبات نهيق الحمير: (وين المقلاية.. جيب الزيت.. وين البيض الله ياخذ هال... وين الملح يا...)؛ وانهمك في إعداد طبق من البيض المقلي في مشهد أقل ما يوصف به أنه (التتار كانوا متمدنين عن كذا). الرفيقان الآخران انهمكا في صراخ وجعجعة وعربدة وطفقا يقرعان العامل بعبارات نابية: (جيب نسكافيه يا... وين الشطة يا (شي).. وين الخبز.. جبن جبن.. جبن (كروفت)، (كروفت)....).. حمل أبو (هاف) المقلاة وألقاها أمام صاحبيه، وتداخلت الأيدي القذرة في صفحة المقلاة تلملم أهداب البيض المخبوص بلقم الخبز المنتوف في منظر أقل ما يوصف به أنه (يحوم الكبد).
استغرقتني الاستفاقة من هول هذا الغزو التتاري للعامل المسكين وبوفيته عدة دقائق، قلت بعدها للعامل: (عطني بالله كاسة شاي وسندويش بيض)؛ أجابني بوجه ملؤه الذعر وصوت خافت مرتعش: (انت شايف أخذوا المقلاية)... أخذت كاسة الشاي وخرجت من البوفيه وأنا أدعو الله لهذا العامل أن يساعده في محنته ويفك كربته.
ما يستدعي السخرية هو أننا في المجالس والمحافل والمناسبات واللقاءات والبيانات والفضائيات نمعن في التذمر من خيانة العمالة، وسوء أدبهم، وشائن جرائمهم، ونكرانهم لمعروف استضافتنا لهم في بلدنا!! أي استضافة؟! استضافة أبو (هاف) وربعه!!.
أعتقد أن علينا الاعتراف بأننا لسنا ملائكة؛ وأن جزءاً كبيراً من مشاكل العمالة عندنا يقع وزره على أكتافنا (غياب النهج الإسلامي في معاملة الأجير وغياب أبسط أبجديات التأدب والتحضر). هل نحتاج إلى دليل لنتيقن من أن هذا العامل الضحية لسوء أدب بعضنا - سيعكس صورة غنية بالشوائن ومفعمة بالقذائع وغضة بالمعائب عن شعبنا عندما يعود إلى بلده.
سكيورتي السفارة الأمريكية
ولعل مشهد الغزو التتاري الذي تزعمه القائد المشبرم أبو (هاف) يفسر الأخلاق الدنيئة التي يعامل بها حراس الأمن (السكيورتي) الهنود في السفارة الأمريكية المراجعين السعوديين (تسفيل ونفترة وإذلال واحتقار وتهزيء)؛ كأنهم يقولون (هذه بتلك).