لشهر رمضان المبارك رائحة رطبة تسبقه إلى القلوب والأبواب. وإذا حاولت أن أؤجل الحديث عن أريج الطفولة التي يشعل قناديلها في عروقنا مقدم رمضان، فإنه ليس بالإمكان تأجيل رائحة الرحمة والتقارب الإنساني والتسامح التي يتنفسها شهر رمضان في الأجواء والوجوه بمجرد اقتراب هلته. وفي هذا الشهر بالذات تمتلئ أرضنا برحابها المقدسة التي كرمها الله بوجود الحرمين الشريفين على ثراها...
... بأعداد كبيرة من زوار بيوت الله الذين يقدمون في هذا الشهر عن عمد وإعداد وجهد وإصرار وبعضهم عن طويل ارتحال ليشاركونا ونشاركهم ضيافة هذا الشهر. ومن هنا كان لا بد أن تنعكس الروحانية وينعكس التسامح وتنعكس روح المشاركة التي يختص بها شهر رمضان لتتحول إلى سلوك يومي سامٍ وحضاري نتمتع به كمسلمين لنعيد إنتاج ذلك السلوك بأحسن مما كان. ونظراً لأن معظم ضيوف رمضان علينا يجتمعون في الحرم المكي وحرم المدينة المنورة فقد صار علينا أن نسأل أنفسنا قبل أن نُسأل، في سبل احترام هذه الضيافة وتحويلها إلى مناسبة لدعم القيم العالية التي يعبر عنها هذا الشهر الفضيل ومنها قيم المساواة وقيم التسامي وتلك القيم التي يختصرها ذلك القول الجامع المانع (الدين المعاملة).
وفي هذا السياق ومن منطلق الحرص على موقعنا في الواقع والإعلام وفي الأصل والصورة نسأل التالي:
- هل في بعض أنماط السلوك التنظيمي بالحرم المكي أو المديني ما ينم على أن هناك من يعتقد جهلاً أو تعصباً أننا نتفضل على الزوار من كل فج عميق من خارج المملكة خاصة باستضافتهم في الرحاب الطاهرة التي حبانا الله بها؟. مع ما في مثل هذا الاعتقاد من قصور عن تمثيل وتمثل سياسة بلاد يتسمى مليكها باسم خادم الحرمين الشريفين. تأكيدا للتكليف والتشريف الذي كرم به الله هذا الوطن.
- هل هناك -وبخاصة في وسط النساء التنظيمي- من يعتقد جهلاً أو تعصباً أيضاً أن هناك (أسلوباً نموذجياً واحداً) للحجاب يجب أن يطبق او تحمل على تطبيقه كل من ترتاد الحرم بغض النظر عن الاختلافات المذهبية؟.
- هل هناك من يحاول جهلاً أو تعصباً أو الاثنين معا أن يفرض الأسلوب الذي يعتقد أنه الصحيح الوحيد في سكنات وحركات المحرمات بالحرم بما فيه كيفية رفع الأيدي للدعاء، دون مراعاة لأي فروق محتملة في كيفية الأداء؟
- هل تقام دورات تدريبية وتأهيلية لمن يقومون ويقمن من المواطنين والمواطنات بخدمة بيت الله، لتطوير مهاراتهم في مجال التعاملات مع شتى أنواع البشر ولتطوير وعيهم لمراعاة الاختلافات ومعرفة تعدد الأحكام والأساليب التيسيرية؟.
- أين تذهب تلك الأعداد الهائلة من خريجي وخريجات الجامعات لمختلف اقسام العلوم الشرعية؟ أليس من الممكن استثمار هذا التعليم للتوعية والارتقاء بالوعي الاجتماعي والديني الذي يقوم على التيسير لا على التنفير، وعلى سعة الأفق لا على التضييق، وعلى التسامح لا على التعصب؟.
- ألم يكن ولا يزال الكثير من القائمين على خدمة الحجاج والزوار مثلاً كالمطوفين المحترفين يعرف لغة البلاد التي يقوم على خدمة حجيجها؟. وأليس جميلاً أن تقترن معرفة لغات الحجيج بمعرفة المناخ الثقافي والاجتماعي الذي قدموا منه ليحسن من أداء التفاهم والتعامل معه هؤلاء الضيوف؟.
- ألا يمكن توسيع دائرة معارفنا الشرعية واللغوية والحقوقية في خدمة ضيوف الحرمين؟.
تعليق موجز على الأسئلة:
أطرح هذه الأسئلة وأثق أن السيدات اللواتي يقمن بخدمة بيت الله لتنظيم وجود النساء في الحرم وملاحظة الشئون الأمنية والتنظيمية كما الأخوة الذين يقومون بخدمة زوار بيت الله من الرجال يفعلون ذلك بتفان وإخلاص طلبا لمثوبة الدارين. إلا أن ذلك لا يمنع من أن تكون هناك بعض الأسئلة والملاحظات النقدية التي يجب المكاشفة بها غيرة على حرمة المواقع المقدسة وعلى حقوق وراحة مرتادي الحرم وصوناً لسمعة وطننا فلا تُذهب بعض التصرفات التي قد لا تكون مواتية وغير متعمدة الاساءة من حيث أرادت الإحسان من قبل بعض الموظفين والموظفات بالجهود الرسمية والأهلية الدائبة والدائمة التي تبذل لخدمة الحرمين أولاً ولاعطاء صورة ناصعة عن جدارتنا بالقيام على هذه المهمة على أكمل وجه ممكن.
وبما أنه لا يسعني الحديث إلا عما عايشت أو عرفت من مصدر موثوق مجرب فإنه لن يكون بإمكاني أن أتناول أي ملاحظات قد تتعلق (بجانب الرجال) في سلوكيات القائمين على الخدمات الأمنية والتنظيمية بالحرم بل إن أسئلتي وملاحظاتي تستمد من مشاهداتي وخاصة أوقات العمرة بشهر رمضان كما أنها تقتصر على بعض أنماط السلوك التنظيمي في وسط النساء مما لمسته بنفسي أو استقيته من ملاحظة بعض الزميلات من المعتمرات أوالمداومات على زيارة الحرم ممن لا ينطقن إن شاء الله ببهتان تقوى وموضوعية.
ومن المشاهدات المقتضبة التي تشير لعينة من تلك الملاحظات: احدى موظفات التنظيم تدفع احدى السيدات المنغمسة في العبادة بيدها في غير لين لتقول لها أن تغطي وجهها، أو لتنهى أخرى عن هز رأسها عند الدعاء، بل لا تتورع الموظفة عن القول بتكسير اللغة العربية: (هذا سوي في بلاد أنت لا في بلاد نحن في الحرم)، وأخرى تصرخ في معتمرة أو زائرة: (حرام حرام.. لأنها أرادت تصوير الكعبة بكاميرا الجوال)، و(أيضاً الصراخ لخلع الخفين والإشارة بضرورة لبس دسوس الكفين، وقد أخرجت احدى الموظفات من جعبتها قفازات سوداء ورمت بها للزائرة). وهناك مشاهد دفع النساء لينزوين في الصلاة كما في الطواف بعيداً عن حمى الكعبة المشرفة. لا أشك أن تلك اجتهادات شخصية عفوية من قبل بعض الموظفات.
إن مثل هذا العمل التنظيمي يحتاج إلى تدريب وتوعية بما يساعد على تعزيز مكارم الأخلاق كسلوك يومي وهي من صميم روح هذا الشهر الكريم الذي علينا أن نستلهم منه روح الرحمة والتسامح لنمارسها قولاً وفعلاً، ولله الأمر من قبل ومن بعد، وكل عام وأنتم بخير.