اعتبر الناقد المغربي الدكتور سعيد يقطين، القصة القصيرة ضحية الحجب الروائي، في ورقته التي قدمها في (ملتقى عمّان للقصة القصيرة العربية)، الفترة من 9 إلى 11 أغسطس 2009م، وقد كان لي شرف المشاركة في الملتقى بدعوة من رعاته (أمانة عمّان الكبرى). وفي عامه الأول، حيث طُرِحتْ عدة أوراق ونوقِشت، كان أغلبها على درجة من الأهمية، وتُعْنَى بالقصة القصيرة التي أوشكت أن تحجب بتسيد من الرواية.
أيضاً تضمّن الملتقى قراءات قصصية من الأردن، ومصر، وسورية، وفلسطين، والعراق، والمغرب، ومن السعودية كنت الوحيدة!!.
ورقة الناقد الدكتور سعيد يقطين أتت تلبية، ومتزامنة مع وضع تعاني منه القصة القصيرة الذي من أجلها جاءت فكرة انعقاد الملتقى تماماً، فالراوية، كما أشار (د. يقطين) حجبت القصة أو توشك على حجبها. ولأنها أدعى للشهرة جعل الجميع يرى حلمه السردي غير قابل للتحقيق إلا من خلال الرواية، فيتخلى بذلك القاص عن القصة القصيرة، على الرغم من أن إبداعاته القصصية أفضل من رواياته، واستدل بيوسف إدريس ومحمد زفزاف كونهما قاصين نموذجيين انتقلا منها إلى الرواية.
ولدينا في السعودية نماذج عدة هجرت القصة إلى الرواية فهل الشهرة حرضتهم على الهجرة؟ وهل إذا اتجه السارد بسرده صوب نافذة الرواية يغلق خلفه نافذة القصة القصيرة؟!
في آخر أمسية لي في (نادي مكة الثقافي الأدبي) سُئلت إن كنت كتبت الرواية أو أفكر في كتابتها؟ وهو سؤال يطرح كثيراً على كل قاص وأراه ملغما ضد القصة القصيرة التي ما إن شعر كتابها ونقادها ومحبوها بأنها على وشك الحجب أو التواري، نشطوا في إقامة الملتقيات لها، ومن ذلك الملتقى الذي حضرته الأسبوع المنصرم في (عمّان - الأردن) في عامه الأول. إلى ملتقى القصة القصيرة جداً في عامه السابع في (حلب - سورية)، أو ملتقى تيفلت للقصة القصيرة في (المغرب)، والمؤتمر أو الملتقى الآخر للقصة القصيرة الذي يرتب له المجلس الأعلى في (مصر) الفترة من 1 إلى 4 نوفمبر 2009م، بمحاوره الأربعة:
1- القصة القصيرة.. قضايا النشأة والتطور والانتشار في الثقافات الإنسانية.
2- القصة العربية والغربية.. التفاعل والاستقلال.
3- قواعد الفن القصصي: الثابت والمتغير.
4- القصة والصحافة الأدبية.
كل هذا لأن الغيورين على القصة القصيرة أمثال (خيري شلبي) وثلة أخرى (أدرج نفسي ضمنهم)، أقلقهم أمر إشاعة تراجع فن القصة، أو اتجاه كتّابها إلى الرواية، إضافة إلى إحجام أو تردد دور النشر عن طباعة المجموعات القصصية بدعوى عدم البيع والتوزيع. وتطرقت إلى هذا الهم القاصة والناقدة السورية- رباب هلال في كتابها (تلك المرأة تلك النار): (أكتب القصة القصيرة، هذا الفن الجميل والمغبون في مجتمعنا العربي. تحضرني صرخة أكاكيفيش صاحب معطف غوغول، تلك الصيحة المجروحة: (إني أخوكم في الإنسانية..) لكم أراها تشبه صرخة القصة القصيرة وسط الأجناس الأدبية الأخرى، تودُّ الصراخ بزهو لظالميها: إنني أختهم في الإبداع. أصم أذني، عمّن حولي، عن دهشتهم، ورغبتهم الملحّة، وتمنياتهم الطيبة لي أن أكتب رواية! أكتبُ القصة القصيرة، دوماً، تلك المنفردة، المنعزلة. إنها تشبهني!)
ملتقيات قصصية لاشك سنشعر معها بالاطمئنان على القصة القصيرة، إن حرص منظمي تلك الملتقيات على أن تنعقد بشكلٍ دوري وبمحفزات، وجوائز، وتكريم لكتّابها، ونقادها، ودارسيها. وهو ما تم التوصية عليه في نهاية الجلسة الأخيرة لملتقى عمان إضافة إلى طبع أعمال الملتقى، وربط القصة بالفن، وإصدار مجلة دورية تعني بشؤون السرد؛ التوصية التي إعادة إلى ذاكرتي (مجلة القصة) الصادرة من مصر والتذبذب الحالي في صدورها بعد أن كانت في بواكير عهدها تصدر منتظمة، ونعثر عليها في أسواقنا بسهولة!!، لكنها انقطعت الانقطاع الذي أضر بالقصة ولاشك، وكان لقائي بالأديب المصري أحمد فضل شبلول في الملتقى فرصة كي أنقل إليه همي حول مجلة القصة وتعثرها، ذكر لي أو عدد مبررات التذبذب، وأن التذبذب للأسف مستمر حتى يشاء الله ثم أهداني آخر عددا صدر لها. فهل سيتبنى ملتقى مصر في نوفمبر تلك المجلة أو يعتني بها فتنتظم في الصدور على الأقل؟ وماذا عنّا أو عن منطقة الخليج بوجه عام، وعن دورنا لصالح القصة القصيرة؟! هل من ملتقيات أو تظاهرات ثقافية خليجية أو سعودية تحمي القصة من حجب الرواية لها؟! والهوس الروائي هنا يكاد يغمض الأعين عن القصة أو المجموعات القصصية الصادرة.!!
أذكر أن الملتقى الخليجي الأدبي في الكويت عام 1989م كان للقصة القصيرة، لكنه في كل ملتقى يختص بمجال أو موضوع مختلف وجديد. وفي هذا العام، وقد انعقد في (أبها) لفت انتباهي ورقتان عزفت على الهم الذي أبحر فيه وأكتب، القصة القصيرة:
الورقة الأولى: (قراءة في تحولات شخوص القصة الخليجية.. قصص الناصر نموذجاً) للأديب نايف رشدان العتيق.
الورقة الثانية: (حساسية التحولات الاقتصادية في القصة القصيرة الخليجية) ل(د. أميرة علي الزهراني).
وإن كنت أجد أن القصة في منطقتنا بحاجة إلى أكثر من أوراق، لأنها، كما يرى د. سعيد يقطين هي وقود الرواية ودعامتها الرئيسية. ولا يمكن أن تتطور الرواية دون تطور القصة القصيرة، في حين أن العكس لا يستقيم. وحين تصل الرواية إلى الطريق المسدود، فلا يمكن أن تتجدد الرواية إلا بتجدد القصة القصيرة.
Happyleo2007@hotmail.com