في هذه الأيام تنهال الرسائل وتكثر الاتصالات بين الزملاء والأقارب والأصدقاء، كلها - وإن اختلفت الصياغة وتباينات الصور - ذات غاية واحدة مشتركة ألا وهي المباركة بقدوم شهر رمضان المبارك، وأول رسالة وصلتني بهذا الخصوص هذا العام يوم الجمعة الماضي، بعثها لي صديق عزيز عودني أن استقبل منه كل جمعة رسالة تذكيرية رائعة وموجزة، نص هذه الرسالة محل الحديث (رسالتي هذا الأسبوع طلب خاص.. بقي أسبوع على رمضان الخير (صح).. أبيك تشتري مقاضي رمضان لعائلتين خل نقول بألف ريال وكل حسب استطاعته بشرط توزعها بنفسك وبمعرفتك بهذا تكون فرجت كربة مسلم فرج الله لك) هذه الرسالة وما ماثلها من رسائل المباركة والدعاء ذات دلالات عدة، أهمها:
* إن لغة التواصل قد اختلفت عما سبق؛ إذ كانت عند الآباء والأجداد وجها لوجه، ثم صارت بالاتصال تلفونيا إذا تعذر اللقاء وبعدت المسافة، وفي السنوات الأخيرة صرنا نتبادل التهاني والتبريكات في المناسبات الخاصة والعامة عبر رسائل الجوال أو من خلال البريد الإلكتروني، وهذا مع أنه وسع دائرة التواصل وسهل نقل المشاعر إلا أن الأولوية في نظري للتواصل الجسدي وجها لوجه؛ فهو أبلغ وأعمق أثراً، وإن تعذر فالاتصال التلفوني خاصة مع المقربين وكبار السن الذين يعيشون قريباً من الإنسان وفي محيطه الاجتماعي المحدود.
* إن كلا منا باستطاعته أن يعمل للإسلام وأن يقدم خدمة تضاف إلى جهود الآخرين، باستطاعة كل منا أن يبلغ عن الله ولو آية، وأن يذكر غيره حتى ولو على افتراض أنهم أفضل منه، أو أعلم أو أكبر أو أقرب للخير أو أكثر التزاماً بواجبات الدين وسننه؛ لذا لا تحقرن نفسك ولا تقلل من جهدك ولا تستضعف قدراتك، ولا تقُل ومن أنا وماذا عسى أن أكون في مجتمع يحتضن العالم الرباني والعابد الزاهد والمفكر الراشد.. لا، إنك رقم مهم، وجزماً أنت أهم من الهدهد الذي وجد له دور في أعظم مملكة في التاريخ، أنت أهم من نملة استطاعت أن تنقذ النمل من سليمان وجنده، أنت مهما كنت فيه من حال، مهما كثرت ذنوبك، مهما عظمت أخطاؤك، مهما.. فمسؤوليتك عن نصرة الإسلام والعمل من أجله مسؤولية عظيمة وتتعاظم في مثل هذه الأيام.
* إنَّ الإسلام ربط بين أتباعه من مختلف الطبقات والفئات والجنسيات والأعراق والسلالات بروابط عديدة تجعلهم يقفون مع بعضهم البعض في الملمات وعند الحاجة (من فرَّج عن مسلم كربه من كرب الدنيا فرَّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه). واستقبال هذا الشهر حدث مهم في حياة كل منا، وله مستلزماته وحاجاته، ونحن عودنا أنفسنا على برنامج غذائي خاص يحتاج توفيره إلى مال ليس بالصعب على من رزقه الله مالاً ولو كان قليلاً، لذا جاءت رسالة الصديق الغالي مذكرة بحق هؤلاء الفقراء في مهرجان استقبال هذا الشهر العظيم الذي ينتظره الجميع بفارغ الصبر.
* إن من أعظم الرسائل التي تدفع للبذل والعطاء أن يرى الإنسان هؤلاء المحتاجين بنفسه ويستشعر حاجتهم عن قرب فيشكر الله على ما هو فيه من حال ويعقد العزم على بذل المزيد.
أشكر كل من بارك وهنأ بهذا الشهر العظيم، وأسأل الله عز وجل أن يهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، يهله علينا ونحن نرفل بثوب الصحة والسلامة والأمان، وأن يوفقنا فيه لصالح الأعمال، وكل عام وأنتم بخير، وإلى لقاء. والسلام.