فرض الغرامات على المخالفين في سوق الأسهم من قبل هيئة السوق المالية - هو حق من حقوق الهيئة، كما هو الحال في السجن والمنع من التداول وغيرها من الأحكام هي حق من حقوقها أيضا، تخيف به من تسوّل له نفسه أن يضر بالمتداولين ويتربح على حسابهم، أما أن تصادر الهيئة الأرباح التي حققها المخالف لحسابها فهو ليس من حقوقها لا شرعا ولا عقلا، فهذه الأموال هي حق شرعي للمتضررين، وأعتقد أن الحرج الذي يواجه هيئة السوق المالية هو تحديد المتضررين من وراء هذه المخالفات، وسواء كانت المخالفة تضليلا أو تداولا على معلومات داخلية أو غيرها من المخالفات، فالهدف منها في النهاية هو ارتفاع السهم لتحقيق الأرباح، والأرباح المحققة التي تصادرها الهيئة يتم حسابها بناء على ما باعه المخالف من أسهم في النهاية محققا بذلك الأرباح لنفسه، فمن المتضرر من هذه العملية حتى يتم تعويضه؟
مما سبق نجد أن المتضرر الذي يستحق التعويض من الأرباح المحققة هو من باع عليه المخالف في النهاية ليسجل الربح، ولكي نحدد من يستحق التعويض، يجب أن نعلم أن المتضررين من وراء المخالف مهما كانت مخالفته هم من اشتروا السهم في نفس الوقت الذي باع فيه المخالف لتحقيق ربحه، وهم أيضا مجموعتان: مجموعة تضررت ضررا مباشرا بشرائها الأسهم من محفظة المخالف ليحقق الربح بعدها، وهي التي تستحق التعويض فور صدور الحكم النهائي بتحويل المبالغ التي صودرت من المضارب إلى محافظها مباشرة، دون الحاجة إلى مراجعة الهيئة أو لجنة الفصل في المنازعات أو حتى علم المتضرر أن له حقا منتظرا، أما المجموعة الأخرى فهي التي تضررت بشكل غير مباشر وهي التي اشترت السهم من متداولين آخرين في نفس الوقت الذي باع فيه المخالف، وهؤلاء لم يحقق المضارب أرباحه على حسابهم مباشرة، وعليهم حتى يتم تعويضهم أن يثبتوا أن المخالف ورّطهم في السهم بشكل مباشر (حسب أنظمة الهيئة) ليتم تعويضهم خارج المبلغ المصادر من المخالف، وذلك بشكوى رسمية للجنة الفصل في المنازعات بالهيئة، وهذا معمول به حاليا.
نعود إلى المتضررين المباشرين الذين تخصهم الأرباح المصادرة، فالهيئة كما قامت بحساب الأرباح غير المشروعة التي حققها المضارب بدقة تامة يمكنها بنفس الدقة تحديد المتضررين المباشرين من هذه العملية، وهم كما ذكرت من باع عليهم المخالف مباشرة وهبط بعدها السهم إلى أسعار أقل، وغالبا ما يكون المتضرر قد خسر قليلا ثم باعها على الثاني، والثالث اشتراها من الثاني وهلمّ جرا، فجميعهم متضررون، ويسهل حصرهم بالبرامج المتطورة التي تملكها هيئة السوق المالية مهما طال الزمن على المخالفة، فكون التسويات في السوق لحظية (T+0) والمتداول يمكنه تملك عشرات الشركات تباعا في نفس اليوم لا يعطي الهيئة العذر في عدم تحديد المتضرر، كما سيأتي توضيحه في آخر المقال، وقد تكون الأرباح التي صودرت على المضارب تزيد أو تقل عن خسائر المتضررين، إلا أنه يجب توزيعها كما هي، فإن قلّت يتم تحديد السعر الذي تغطيه هذه المبالغ؛ فمثلا نفرض أن المخالف باع مليون سهم بسعر 100 ريال والمبلغ المحجوز كان 25 مليون ريال، فهذا المبلغ يغطي المتضررين حتى سعر 75 ريالا فقط، أما إن هبط السهم إلى أقل من ذلك فيكون الضرر خارجا عن محل المخالفة، وداخلا في طبيعة السوق المتذبذب، أما إن زاد مبلغ الأرباح المصادرة عن التعويضات المستحقة فللهيئة أن تتصرف بها كما يرى مجلسها الموقر بما يفيد هذا البلد الكريم، فالمتضررون -مواطنين أو مقيمين- لهم حقوق في هذا البلد، ويجب أن تذهب هذه المبالغ لخدمتهم.
وفي الختام أضع هذا المثال المصغّر لتبسيط الفكرة المطروحة؛ فلنفرض أن المخالف باع أسهمه محل المخالفة بسعر 100 ريال وكان يمتلك مليون سهم باعها مباشرة إلى متداولين اثنين بالتساوي ثم ألزمته هيئة السوق المالية بدفع المكاسب التي حققها والبالغة 25 مليون ريال، ثم هبط السهم إلى سعر 80 ريالا، المتداول الأول احتفظ بأسهمه الخاسرة حتى سعر 80 ريالا ليسجل خسارة عشرة ملايين ريال، أما المتداول الثاني فباع أسهمه بسعر 90 ريالا على أربعة متداولين بالتساوي ليخسر خمسة ملايين ريال، احتفظ منهم اثنان بالسهم حتى سعر 80 ريالا ليكون نصيبهما من الخسارة 2.5 مليون ريال، أما اثنان منهم فقد باعا السهم على متداولين آخرين احتفظوا بالسهم حتى سعر 80 ريالا لتكون خسارتهم جميعها الإجمالية 2.5 مليون ريال، لتكون مبالغ جميع المتضررين المباشرين 20 مليون ريال، ليزيد لدى الهيئة مبلغ خمسة ملايين ريال، وهذا المبلغ الزائد يجب أن تحتفظ به الهيئة للمتضررين في حال هبوط السهم إلى 75 ريالا ليتم تعويضهم عنها، أو تحوّلها الهيئة لخدمة المجتمع.
faisal@fharbi.com