وهكذا يمّر (سوق عكاظ) في المخيلة للمرة الثانية دون أن يترك فيها أثراً يذكر، هذه (المخيلة) التي طالما راودها الحلم بأن يُعاد أشهر تجمع ثقافي سنوي في الجزيرة العربية منذ الجاهلية حتى انتقال الثقافة العربية إلى الحواضر الإسلامية والى أن تلاشى هذا التجمع التاريخي الهام بتلاشي القوة الثقافية للعرب بانتهاء خلفائهم الحريصين على العلم والأدب والمعرفة، واختفى هذا المحفل العظيم طوال الحكم العثماني وما تلاه من استعمار أوروبي لحواضر الثقافة العربية وهكذا أصبح كل تجمع ثقافي عربي طي النسيان ونُسيت أسواق العرب تماماً بل محيت من الذاكرة العربية حتى الطمس التام إلى أن قامت الحرب العراقية الإيرانية وتنبّه الرئيس السابق للعراق صدام حسين إلى أهمية الشعر في الحرب كقوة مساندة للجنود المقاتلين وأداة (تعبوية) هائلة المفعول، لذلك أحيا (سوق المربد) التاريخي القديم في العراق ودعا إليه مئات الشعراء والكتاب والمثقفين العرب وكان لهذه الخطوة الذكية دورها الفعال في تحقيق مكاسب معنوية وتعبوية للمقاتل العراقي واتاح فرصة كبيرة للشعراء العرب سواء اتفقوا أو اختلفوا مع (غاية) صدام للتعارف والتضارب والتواصل والتثاقف والتنافس في الإبداع وبالطبع كنا نحلم نحن كتاب وشعراء الجزيرة العربية أو بالأحرى (نغار) من فعاليات المربد ونطرح السؤال الحلم (لماذا لا يعاد إحياء سوق عكاظ) لأنه كان الأقدم والأهم وملتقى العرب منذ الجاهلية حتى انتهاء الخلافة العربية وانتقالها إلى الأقوام (المسلمة) الأخرى، وكان الواحد منا يكتفي وهو يتجه للطائف أن يقف على أطلاله الدارسة ويذرف الدمع قليلاً ويتذكر ابداعات الاسلاف الذين تركوا لنا هذا التاريخ الادبي المجيد والذي أسس للثقافة العربية منذ أول الأبجدية حتى هذا الزمان.
***
ومنذ عامين فقط أعلن هنا في المملكة وفي منطقة الطائف بالذات عن احياء سوق عكاظ فهللنا وابتهجنا لهذه الفكرة الرائعة التي ستحقق لنا الحلم القديم ولكن الحلم سرعان ما تبدّد أو اجتاحته الوساوس والكوابيس وذلك لأن أول فعالياته كانت واهية وهشّه وغير مدروسة وكانت اللجنة القائمة على المهرجان لا تحتوي على القامات الأدبية السعودية المعروفة التي تكسب هذا المهرجان الاحترام العربي المأمول ولا كذلك الأسماء المدعوة للمهرجان.
وقلنا حينها لا بأس فهي التجربة الأولى فلعل في الخطوة الثانية ما يبلغ الشفّ ولكن ويا للأسف الشديد جاءتنا اللجنة إياها بمشاركين - فازوا- ولم يكن يعرفهم أحد ولا كذلك المدعوين للمهرجان بل لم يلتفت إلى شعراء وكتاب ومثقفي المملكة أحد لذا نرجو أن لا تتكرس الخيبة مرة أخرى وعذراً يا عكاظ!!.