شهر رمضان المبارك شهر مميز ومقدس لدى المسلمين لكونه موسما للخير وفرصة لمراجعة النفس واكتساب المزيد من الأجر ورصد الحسنات ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون فهذا الشهر يتميز بما لا يوجد في الأشهر الأخرى وهو وجوب الصيام طوال نهار أيامه:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ..) كما يتميز ليلاً بالقيام بصفة جماعية عن طريق صلاة التراويح والصيام يقابله ثواب كبير لا يعلمه إلا الله الذي قال فيه عز وجل (الصوم لي وأنا أجزي به) كما يتميز هذا الشهر بمضاعفة الأجور وهدوء الخواطر والأنفس وتغير في نمط البرنامج اليومي الروتيني في حياة الناس بما في ذلك أوقات الدوام والعمل لمختلف القطاعات الوظيفية العامة والخاصة.
وعبادة الصوم لكي يثاب عليها المسلم ينبغي أن يشوبها نوع من المشقة والتعب والكلفة حتى تظهر الحكمة من هذه العبادة ويراها المسلم في نفسه لكي يتذكر إخوانه الفقراء والمحتاجين والمرابطين الذين يعانون كثيرا من معوقات الدهر التي لا يعيشها سواهم ولا يحس بها المسلم الآخر في حياته العادية بل إن إحساسه بها يأتي عندما يعاني من بعض هذه الإشكاليات والمعوقات أثناء صيامه وهي الحرمان من الطعام والشراب ونحوهما من الملذات.
ولذلك يخطئ من يقضي كل أو أغلب ساعات صيامه في النوم حتى ولو كان يؤدي الصلوات في أوقاتها لأن طول مدة النوم خلال وقت الصيام تفقده واحدة من أهم حكم الصيام وهي كما ذكرنا الإحساس بالمشقة والتعب وبالتالي الإحساس بما يعانيه إخوانه المسلمون المعوزون وبالذات الناس المقربين من الشخص من ذوي الأرحام ونحوهم الذين ربما في غير شهر رمضان لا يكون لدى الشخص فرصة الالتقاء بهم أو الإحساس بمعاناة البعض منهم ولكن بفضل حكمة الصوم يتذكر الإنسان أولئك الأقارب والمحتاجين فيقوم بزيارتهم والإحسان والتصدق عليهم، كما يخطئ البعض من الموظفين أو العاملين الذين يلجأون إلى خفض إنتاجهم في مجال عملهم وعدم تقيدهم بالانضباط في أوقات العمل بحجة أنهم صائمون لاعتقادهم بأن الصيام يتطلب منهم الراحة أو التفرغ للعبادة وتلاوة القرآن الكريم وهو اعتقاد يتعارض مع أهداف رمضان والحكمة من صيامه ذلك أن وفاء المسلم بالتزاماته تجاه الغير أو القيام بواجباته تجاه عمله ومجتمعه ووطنه يعتبر في حكم العبادة لكون الإسلام دينا ودولة جاء لينظم شئون المسلمين الدينية والدنيوية، فإذا كان الوفاء بالتزامات الآخرين والقيام بواجبات العمل في حكم العبادة فهل صيام رمضان وهو من أهم العبادات يستدعي التهاون في العبادات الأخرى والإجابة المنطقية على هذا التساؤل هي بالطبع بالنفي فرمضان شهر الخير والعبادة ولذا فإنه لا يأمر إلا بخير ومن الخير قيام الموظف بأداء واجباته الوظيفية كالمعتاد كما كان حاله قبل شهر رمضان بل ينبغي مضاعفة إنتاجه وجهده في شهر رمضان حتى تتحقق حكمة الصوم في بذل الجهد والعمل وهو صائم وبالتالي يتحقق له إن شاء الله المزيد من الأجر والثواب بدلاً من أن ينقص عليه شيء من الأجر والثواب في حالة تقصيره في عمله أو حقوق المراجعين، ولذا فإن الموظف أو المشرف الإداري سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص مطالب خلال شهر رمضان المبارك بما يلي:
* إذا كان الموظف مطالبا بالوفاء بواجباته التي يستحق مقابلها راتبه فإن قيام الموظف بأداء واجباته الوظيفية ينبغي ألا يتأثر بصيام رمضان.
* والموظف إذا كان بشوشاً ولبقاً مع المراجعين قبل رمضان فينبغي ألا يتأثر ذلك في رمضان فتنقلب البشاشة إلى عبوس واللباقة إلى غلاظة.
* وإذا كان الموظف مشهودا له بالانضباط في عمله والمحافظة على أوقات الدوام في غير شهر رمضان فإن هذا الواجب أو الخصلة الحميدة ينبغي ألا يتأثرا بصيام رمضان إنما بالتأخر عن وقت الدوام أو النوم خلاله أو الخروج قبل نهايته خاصة مع العلم أن ساعات الدوام في رمضان يتم تخفيضها بمعدل ساعتين سواء بالقطاع الحكومي أو الأهلي.
* وإذا كان رئيس القسم أو مدير الإدارة أو أي مشرف متابعا لأعمال وموظفي إدارته أو شعبته أو قطاعه في غير رمضان فإن هذه المتابعة ينبغي ألا تتأثر بشهر الصيام، فواجب المشرف في رمضان أيضاً متابعة حضور موظفيه والتأكد من قيامهم بأداء أعمالهم بالصورة المطلوبة ولا يتساهل في ذلك بحجة أنهم صائمون.
إذاً فشهر رمضان هو شهر الجد والعمل وشهر الخير والوفاء سواء فيما يتعلق بالعبادات المتعلقة بالمولى عز وجل أو بالمعاملات المتعلقة بحقوق الآخرين وينبغي ألا يحمل رمضان بما ليس له علاقة به من تقصير البعض بقيامه بعمله أو التزامه تجاه الآخرين، فشهر رمضان شهر خير وعمل ولا يدعو إلا للخير والعمل فلقد خاض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام أهم معاركهم في رمضان كمعركة بدر الفاصلة التي فصلت بين الحق والباطل وانتصر فيها المسلمون على مشركي قريش وقتل فيها أبو جهل وغيره من زعماء قريش كما نعم العرب المسلمون المعاصرون بأول انتصار لهم على إسرائيل في شهر رمضان في حرب السادس من أكتوبر سنة 1973م عندما اقتحم الجيش المصري وبمساندة إخوته العرب خط بارليف المحصن مما أدى إلى تحرير سيناء فيما بعد عن طريق المفاوضات وتمهيد الطريق حول عملية السلام التي بدأت باتفاق أسلو وعودة القادة الفلسطينيين إلى وطنهم وإقامة السلطة الفلسطينية تمهيداً لإقامة الدولة الفلسطينية التي ستجمع إن شاء الله شتات الشعب الفلسطيني ولذا فإن على الموظف الحكومي أو الأهلي الاستمرار في أداء واجباته الوظيفية والالتزام بالدوام الرسمي في شهر رمضان وحسن التعامل مع رؤسائه وزملائه والمراجعين وألا يجعل الصيام الذي يتطلب من المسلم بذل الجهد والإحساس بالمشقة لكسب المزيد من الأجر والثواب سبباً أو حجة في تقصيره في أداء هذه الواجبات فكما هو حريص على بذل المزيد من العبادات من صلاة وصدقة ودعاء وتلاوة القرآن الكريم وصلة الرحم في هذا الشهر الكريم فعليه ألا ينقص من أجره ومن صيامه ومن عبادته بتقصيره في عمله أو الإخلال بالتزاماته تجاه الآخرين ذلك أن التزامه بوقت دوامه وقيامه بأداء أعماله بالدقة والأمانة والإخلاص وتعامله مع مراجعيه ورؤسائه وزملائه بوجه طلق وتعاون صادق يعتبر في حكم العبادة التي سيثاب عليها بإذن الله كما يثاب على الصلاة والصدقة وتلاوة كتاب الله الكريم ونحو ذلك من الحسنات وذلك بالإضافة إلى ما يصرف له من راتب ومزايا مادية أخرى بحكم العلاقة التنظيمية أو التعاقدية التي تربطه مع جهة عمله.
asunaidi@mcs.gov.sa