الإنسان بما زوَّده الله من خصائص ووهبه من قدرات واستعدادات استحق أن يكون محور الحياة في هذا الكون وأن يكون موضع التكريم الرباني والعناية الإلهية واختص الإنسان بواجبه وتحمّل مسئولية مزدوجة!!.....
أولاً: مسئولياته وواجباته حيال الخالق الباري جلَّ وعلا.
ثانياً: واجباته ومسئولياته الناشئة عن علاقته بالبشر. ويشمل هذا علاقته بأسرته وأقاربه ومجتمعه لأن طبيعة الإنسان هي التي جعلته مؤهلاً لهذه الواجبات والمسئوليات، وإن الإنسان يمتلك صفات جعلت منه الوقوف على قمة مخلوقات الله، وقد كرّم الله الإنسان ووردت لفظة (الإنسان) في القرآن الكريم في خمسة وستين موضعاً. لقد حث الإسلام على إغاثة الملهوف ونصرة الضعفاء وعلى البذل والعطاء ومساعدة المحتاج، وحث على كل القيم التي من شأنها إسعاد الناس والتعاون على البر وأعمال الخير: قال تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}. وقال تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى}. ومن مكارم الأخلاق التواضع والنصيحة والشفقة وحسن الخلق والابتعاد عن الطمع والمكر والخديعة والغش وحب الثناء ومحبة الدنيا. قال عثمان بن عفان لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما: أحب إلي من الدنيا ثلاث: إشباع الجوعان وكسوة العريان وتلاوة القرآن. هذه هي أخلاق صحابة رسول الهدى صلى الله عليه وسلم.
إننا في هذا الشهر الكريم الذي انتصر فيه الحق على الباطل وانهزم كل معتد أثيم وصفّدت فيه الشياطين وتضاعف فيه الحسنات، وفيه ليلة خير من ألف شهر، فإننا مدعوون أن نكون عوناً للضعفاء وسنداً للفقراء والمحتاجين، وأن تعم الرحمة كل القلوب، قلوب التجار؛ بأن يراعوا الله في الأسعار التي تثقل كاهل المواطن والمقيم في هذه الأرض، ونهيب بهم أن يكونوا كما توقّعنا منهم لبنة صالحة وليتذكّروا أن الله رحيم عفو كريم، قال صلى الله عليه وسلم: إن الله رحيم لا يضع رحمته إلا على رحيم. ولا يدخل الجنة إلا رحيم، فالرحمة تعد فضيلة وهي التي تجلب رحمة الله وتستحق الثواب، قال رسول الهدى: ليست الرحمة من المرء لأهله وماله ولكن رحمته بسائر المؤمنين. كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا. ولهذا علينا جميعاً المساهمة في عمل الخيرات في هذا الشهر الفضيل، وأن نتلمس حاجات الناس وأن نكون رحماء بالضعفاء والأيتام والأرامل والمعسرين، وهذا أفضل بكثير من البذخ والتبذير وجشع البخلاء. وقد ورد عن شداد بن أوس قوله: إنكم لم تروا من الخير إلا أسبابه ولم تروا من الشر إلا أسبابه؛ الخير كله بحذافيره في الجنة والشر كله بحذافيره في النار، فلنبتعد عن أعمال الشر ونتجه بقلوب صادقة ونيّة مخلصة إلى أعمال الخير والتي لا تخفى على أحد ويجهلها البخلاء الذين لا يؤدون الزكاة ولا يساعدون من يستحق المساعدة. دعوة صادقة لمحاربة الفقر في هذا الشهر وكل الشهور فإن الفقر مصيبة من مصائب الدنيا وعواقبه على المجتمع كبيرة وكبيرة جداً.
* * *