يُعدّ صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل من صناع التاريخ؛ إذ لا يتولى موقعاً إلا ويترك فيه بصمات متوجة بالإنجازات.. ويخلق حراكاً منطلقاً على أساس فكري راسخ.. يجسّد رؤية إبداعية وفكراً خلاقاً.
هو صانع للتنمية بمفهومها الشمولي الذي يطول الإنسان والمكان ترقية وتطويراً..
يحدث نقلة حضارية.. ويؤسس لحقبة تاريخية في مسيرة التنمية في أي مكان يتولاه.
هذا هو خالد الفيصل مدير رعاية الشباب.. وأمير منطقة عسير.. وأمير منطقة مكة المكرمة.. ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الملك فيصل الخيرية.. ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الفكر العربي. وفي كل من هذه المواقع أحدث نقلات حضارية تاريخية تسطر بمداد من نور في سجلات التاريخ.. والتاريخ أبداً لا ينسى..
وفي يقيني أن (خالد الفيصل) لم يقدم بعد بما يتلاءم في المستوى الفكري الموهوب به.. والعطاءات الخالدة التي قدمها حتى الآن..
أزعم أن هذه دعوة مفتوحة للباحثين في السيرة.. وفي التنمية.. وفي الفكر.. إلى تناول هذه الشخصية الخلاقة.
ولا أود هنا أن أتحدث عما صنع في منطقة عسير.. أو في منطقة مكة المكرمة في خلال عامين فقط من عمر الزمن.
أودّ هنا الحديث بإيجاز عن جانب تاريخي في تولي سموه مهام رعاية الشباب..
فعندما تولاها سموه لم تكن سوى إدارة صغيرة داخل الإدارة العامة للشؤون الاجتماعية في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية..
كانت إدارة رعاية الشباب في أدنى الهيكل التنظيمي لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية..
وكان مقرها في الوزارة عبارة عن بضعة مكاتب في بضع غرف.. بها عدد محدود من الموظفين.. وكان سموه قادماً من خارج المملكة بالدرجة العلمية العالية وبفكر مستنير.. ورؤية بعيدة.. ومنهجية تلاقحت فيها المضامين المحلية بالمعطيات العالمية في أكثر دول العالم تقدماً وحضارة..
ولقد أسس سموه صيغة جديدة لأهداف رعاية الشباب وأعاد تنظيم هياكلها وأجهزتها.. وتصميم برامج حديثة للتنمية الرياضية والشبابية في البلاد.. فانتقلت الحركة الرياضية في المملكة بتولي سموه مهام رعاية الشباب.. إلى مرحلة التنظيمات والعمل المؤسسي.. فصدرت اللائحة الموحدة للأندية في عام 1388هـ التي حددت أهداف الأندية ووظائفها وتشكيلات جمعياتها العمومية وأعضاء مجالس إداراتها.. ثم صدر في عام 1388هـ نظام الترخيص للأندية الرياضية الذي تضمن تنظيماً دقيقاً للأندية وأسمائها وشعاراتها..وما زال العمل بهذه اللوائح جارياً حتى الآن مع بعض التعديلات التي أدخلت عليها..
كما شكّل سمو الأمير خالد الفيصل العديد من الاتحادات الرياضية كالدراجات وألعاب القوى.. وقام بتنظيم اللجنة الأولمبية السعودية والاتحاد السعودي لكرة القدم..
يقول المؤرخ الرائد الدكتور أمين ساعاتي في موسوعته الموسومة (تاريخ الحركة الرياضية في المملكة العربية السعودية): تقدم سمو الأمير خالد الفيصل - عبر وزير العمل والشؤون الاجتماعية - إلى مجلس الوزراء في عام 1390هـ بمشروع إنشاء مجلس أعلى لرعاية الشباب ترتبط به الإدارة العامة لرعاية الشباب..
ويضيف قائلاً: (ولقد توج خالد الفيصل منجزاته الرياضية بالدعوة إلى تنظيم دورة الخليج العربي في كرة القدم.. التي بادرت البحرين في عام 1390هـ بتنفيذ الفكرة). وفي ذلك قال الشيخ عيسى بن راشد رئيس اللجنة التنفيذية لدورة كأس الخليج الثامنة التي أقيمت بالبحرين في حفل تكريم رؤساء وأعضاء الوفود المشاركة ما نصه: (أوصي بأن يكون الأمير خالد الفيصل صاحب فكرة الدورة هو ضيف الشرف الأول لكل دورات الخليج المقبلة).
وكعادة سموه في صنع الإنجاز.. وضع حجر أساس أول المشاريع الحكومية في مجال المنشآت الرياضية بإنشاء ثلاثة استادات رياضية.. وهي استاد الملز في الرياض واستاد جدة الذي يطلق عليه حاليا استاد الأمير عبدالله الفيصل واستاد المنطقة الشرقية..
فهذه الملاعب ما زالت منذ عهد الأمير خالد هي التي تحتضن الممارسة الكروية والمنافسات المحلية والإقليمية حتى الآن..
***
وفي قصر سموه العامر بمدينة جدة مساء يوم الثلاثاء 20-8-1430هـ بمجلسه العام.. قلت لسموه الكريم: هناك من يقول إن تولي سموكم رعاية الشباب كان في عام 1384هـ.. وهناك من يقول في عام 1386هـ، وهناك من يقول في عام 1388هـ.. فأيها الأصح.. وكيف كان التعيين.. وهل كان أول تعيين لسموكم مديراً عاماً لرعاية الشباب؟
أجاب سموه قائلاً: كان الأستاذ عبدالرحمن أبا الخيل وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية.. وكانت إدارة رعاية الشباب مجرد إدارة صغيرة في إطار الإدارة العامة للشؤون الاجتماعية بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية.. ولقد طلب مني بإلحاح تولي مهام الإدارة.. وكنت بطبعي محباً للرياضة فقبلت.. وقال الوزير سوف أطلب من الملك فيصل تعيينكم مديراً عاماً لرعاية الشباب.. قلت لا مانع لدي إذا وافق الملك فيصل.. وان كنت أشك في ذلك.وحدث ما توقعت.. إذ رفض الملك فيصل طلب الوزير أبا الخيل.. وقال اجعله يبدأ من بداية السلم حيث تعينت مديراً لقسم الأندية. ولكن نظراً لأن الإدارة صغيرة فإن الوزير طلب مني أن أتولى إدارتها.
وأضاف سموه قائلاً:
وعندما دخلت إدارة رعاية الشباب لأول مرة فوجئت بتواضعها وصغرها ومحدودية إمكانياتها.. حيث لم تكن سوى عبارة عن بضعة مكاتب. ولكننا انطلقنا بالعمل الجاد خدمة للرياضة والشباب وحققنا بفضل الله ثم بدعم القيادة تطورات كبيرة.. فلم يمضِ قليل زمن.. حتى لم تعد رعاية الشباب تلك الإدارة الصغيرة في ركن وزارة العمل.
أما تاريخ التعيين فكان في عام 1386هـ هذا هو تاريخ تعيينه.
***
وأخيراً.. أقول: بكل تأكيد أن هذه السطور المحدودة لا يمكن بحال أن تجسد حجم إنجازات الأمير خالد الفيصل في رعاية الشباب؛ فهي بلا مبالغة تحتاج إلى كتاب ومجلد شامل.. ولكنها إضاءات أردت التذكير بها لإنجازات ريادية لرائد تنموي وقائد خلاق.
* عميد كلية خدمة المجتمع والتعليم المستمر بجامعة الملك عبدالعزيز