بقلم - نبيه ساعاتي
تحدثت في المقال الماضي الذي نشر هنا في الغراء (الجزيرة) يوم السبت 10 شعبان 1430هـ عن تاريخ تأسيس النادي الأهلي، وأثبت بما لا يدع مجالاً للشك إلا لدى مكابر لا يفقه في التاريخ سوى القشور أن الكيان الأهلاوي تأسس في عام 1357هـ، حيث كتب المؤسس حسن شمس بخط يده ما يؤكد صحة هذا الطرح في خطاب بعثه إلى حمزة فتيحي - وهي وثيقة متداولة ومعروفة وسبق أن وزعها حمزة فتيحي على قطاع واسع- وفيها ما يؤكد أن الأهلي القديم تأسس في 18 شوال 1357هـ، حيث أوضح فيها انفصال الفرع (الأهلي) عن الأصل (الاتحاد) ليعلن بذلك تأسيس النادي الأهلي. كما أن الأهلي لم يكن حاضراً في الصحافة الرياضية قبل هذا التاريخ بعكس الأندية الأخرى التي عاشت في هذه الحقبة الزمنية ناهيك عن المتطلبات العمرية للمؤسسين ومنهم عبدالرؤوف بترجي الذي كتب بخط يده أن المؤسسين كانت تتراوح أعمارهم بين السابعة عشرة والتاسعة عشرة وهو الذي ولد عام 1339هـ، وعلى من يرغب الحساب وتأكيدات البقية الذين اجتمعوا بمقر النادي الأهلي عام 1408هـ على هذا التاريخ إلى جوار جزم محمود عارف وهو أحد المؤسسين إضافة إلى أن اللجنة الأهلاوية التي تمخض عنها إصدار كتاب يروي قصة الأهلي بعد أن توصلت إلى إجماع بأن الأهلي تأسس عام 1357هـ.
كل ذلك يدحض الأقاويل التي أراد من خلالها أصحابها القفز على الحقائق لبلوغ أهداف شخصية مدعين أنهم على صلة بالتاريخ وهو براء من خزعبلاتهم التي لا تتعدى كونها محالات ساذجة لتغيير الواقع التاريخي لأنديتنا الرياضية فوضعوا سنوات عمرها في مزاد علني استناداً إلى معطيات فقيرة لا يمكن أن يعتد بها.
عموماً في المقال سالف الذكر خلصنا إلى أن الأهلي تأسس عام 1357هـ، ولكن هناك معطيات في تصوري الشخصي أهم من هذا الموضوع، (فالأهلي ليس الأهلي)، بمعنى أن الأهلي الذي تحدثت عنه والذي كما قلت إنه شيد في عام 1357هـ بصراحة هو ليس الأهلي الحالي، فالأهلي الأول أقفل أبوابه تماماً في منتصف عام 1359هـ وامتد غيابه إلى نحو عشرة أعوام كان خلالها غير موجود في الساحة الرياضية ولم يسجل له أي حراك رياضي.
وفي عام 1369هـ أعلن عمر شمس -شقيق مؤسس الأهلي الأول حسن شمس- عن ميلاد الأهلي الثاني ونشرت الصحافة الرياضية هذا الخبر رسمياً، وسجل الفريق الأهلاوي حضوراً قوياً في العام التالي وأصبح منافساً للاتحاد الأمر الذي جعل الكثيرين يلتفون من حوله إعجاباً بهذا الفريق اليافع الذي نجح في إحراج الفريق الاتحادي متسيد الكرة في تلك الفترة.
ومن بين المعجبين والمؤيدين للأهلي الحديث كان حسن سرور صبان الذي كان يتميز بقدرته المالية الكبيرة وشخصيته القيادية، وهو ابن وزير المالية السابق محمد سرور صبان، فبدأ على ضوء ذلك سحب البساط من تحت أقدام عمر شمس وأصبح صاحب حظوة عند غالبية اللاعبين الذين التفوا من حوله. وفي المقابل أبدى شمس امتعاضه من نفوذ صبان فدب الخلاف بينهما حتى وصل إلى إعلانه الانسحاب في عام 1371هـ، بل وتم إعلان حل وإلغاء الأهلي وفق ما نشر في الصحافة الرياضية، ولكن شمس تمسك بالاسم والشعار على اعتبار أنه ملكية اعتبارية ولم يفلح في استقطاب سوى قلة من اللاعبين الذين -كما أسلفت- نجح صبان في التقرب منهم بقدرته المادية وشخصيته القيادية.
شمس على إثر ذلك أقدم على خطوة تاريخية لا يحبذ بعض أدعياء التاريخ التوقف عندها استجابة للميول عندما انتقل إلى النادي المنافس نادي الاتحاد بصفته الاعتبارية ونقل معه بعض اللاعبين أمثال أحمد أبو داود (شقيق الدكتور عبدالرزاق الأكبر) ومحمد قاسم اللذين مثلا الفريق الاتحاد الأول في العديد من المباريات.
أما حسن صبان فلقد أطلق على فريقه الجديد اسم الثغر وهو لا يمت بصلة للأهلي بدليل تغيير الشعار والإدارة وبعض اللاعبين إضافة إلى الاسم كما قلت في السابق، وواصل الثغر المسيرة تحت قيادة الصبان بنجاح.
وفي عام 1380هـ اهتم العديد من الرياضيين بتأسيس الأهلي الثالث ومن بينهم عبدالله عبدالماجد ويوسف عبدالشكور وعبدالفتاح عبد ربه مستعينين بلاعبين من الاتحاد والزمالك والثغر الذي انتقل منه بعض اللاعبين أيضاً إلى الهلال البحري، وهذا هو الأهلي الذي استمر حتى يومنا الراهن.
الخلاصة
إننا ومن خلال سرد هذه الحقائق التاريخية نستخلص بعض النقاط المهمة والتي تبلور لنا واقع الأهلي أولاً وثانياً وثالثاً والتي من الممكن أن نوجزها في التالي:
- استناداً إلى الواقع المتجرد فإنه من غير المعقول أن يقفل ناد أبوابه تماماً لمدة عشرة أعوام ثم يعود ويعلن استمراريته للعهد السابق، وفي ظل هذا الانقطاع الطويل أقول إن أهلي 1357هـ ليس هو أهلي 1369هـ.
- النقطة الثانية تتلخص في أن الثغر لا يمكن أن يكون امتداداً لأهلي 1369هـ استناداً إلى أن مؤسسه أعلن انسحابه مع الشعار والاسم وبعض اللاعبين وأعلن تالياً في الصحف الرياضية انحلاله، فكيف يمكن أن يكون بالتالي امتداداً له؟ ذلك من ناحية، ومن الناحية الأخرى فإنه على ضوء هذا الحدث تم تسمية النادي الجديد باسم الثغر، إذاً الواقع التاريخي يجعلنا نقول إن الثغر ليس امتداداً للأهلي.
- الأهلي في ظل ذلك تأسس في عام 1357هـ وأقفل أبوابه، ثم تأسس الأهلي الثاني في عام 1369هـ، وفي المرة الثالثة عام 1380هـ، ولا يصح إطلاقاً الربط بين هذه المراحل.
- الثغر اسم مستقل بذاته ولا يمكن أن نقحمه في تاريخ الأهلي، ومن يفعل ذلك يكون قد تجنى على التاريخ الرياضي.
وبناء على ما تقدم من حيثيات موضوعية محايدة وواقعية متجردة، فإن تاريخ تأسيس النادي الأهلي الحالي كان في عام 1380هـ، ونحن الآن في عام 1430هـ، أي أن الأهلي أكمل في هذا العام خمسين عاماً وبإمكانه الاحتفال بيوبيله الذهبي بمناسبة مرور نصف قرن على تأسيسه.