الغرامة التي أقرتها إدارة شؤون الحرم على الوافدين الذين ثبت أنهم يؤجرون الصفوف الأولى من الحرم بعد حجزهم لها هي أقل ما يستحق هؤلاء من استغلال هذا المكان المقدس، ولكن السؤال يخفي مشهداً مؤلماً، هو أن المال يتحرك في السر لينال كل المتع الدنيوية والدينية أيضاً؛ فهؤلاء البسطاء يجلسون الساعات الطوال بانتظار من يدفع لهم أكثر؛ كي يمنحوا الصفوف الأولى لذوي الجيوب المنتفخة، ومثلما يكون التنافس على المقاهي العالمية التي جلست فيها هذا الصيف يكون أيضاً على المقاعد الأمامية التي جلست فيها في الحرم في رمضان..(!!؟) إنها رحلة مكوكية للمال يتحرك في سائر المدن ويشتري عرق البسطاء، حتى المساجد لم تسلم منها!!
** الحرم المكي منارة أقامها الله سبحانه ليتساوى فيها البشر، ولتظهر مبادئ العدل والمساواة في أزهى صورها؛ لتشير إلى قيمة الإسلام الحقيقية، وهي خضوع البشر لإله واحد، وقوتهم وحريتهم وتساويهم فيما عدا ذلك..
أما هذا الاتجاه الذي كان يضج فيه زائرو الحرم؛ حيث تظهر الفرقة بين أماكن النساء والرجال، وحيث تقصى النساء إلى الخلف مهما حضرن باكرا، ويمنعن من الصلاة عند المقام؛ فإن ذلك مما يضع تساؤلات عدة حول قيمة الإنسان بوصفه إنساناً في الحرم المكي بغض النظر عن جنسه وجنسيته ولونه.
** لولا أن ذلك كله لا يمنع من أن أشيد بتحسن أسلوب الحوار بين موظفات الحرم عما كن عليه قبل سنوات؛ فقد أصبحن أكثر لباقة وأكثر قدرة على الاستماع والإنصات حتى لو لم يكن بأيديهن من الأمر شيء؛ فالنظام يحكمهن والتعليمات تجعلهن في حرج حين تقنعهن النساء بحقهن المتساوي؛ فهذه مساجد الله وهن إماء الله!!