حين كنتِ صغيرتي تقفزين فرحةً وتهليلاً ليلة رمضان، كنت أسألكِ لماذا؟ لماذا تفعلين فرحاً وابتهاجاً؟ ما الذي يحثك لهذه القفزات الطفولية، والسعي الراكض نحو أزرة الكهرباء لتشعلي الأنحاء نوراً؟..كانت إجاباتك تأتيني عفوية.. تتعثرين في الإجابة كل عام.. حتى جاء الشهر الذي تحولت فيه فرحتكِ للقيام بصمت إلى سجادتكِ والسجود لله.. تلك اللحظة في ذلك الشهر من ذلك العام.. أدركتُ أنكِ بلغتِ مفهوم رمضان..حيث تحول النور من الأنحاء الخارجية حولكِ للكوامن الداخلة فيكِ.. فسجدتُ لله شكرا..
فتعالي الآن نتساءل عن فرحة الصغار برمضان.. لنوظّفها في مسالك السواء..، فالصغير يقتدي عادة بمَن حوله، تتشكَّل مفاهيمه وقيمه وشكل سلوكه، بل عاداته في محيطه القريب ليكون مؤهلاً للانخراط في قيم ثقافة مجتمعه الأكبر..، وكل عادة يجدها تشكِّل فيه حساً إضافياً يميل إليها، فرمضان تتسع ساعات ليله فينهج فرحة بذلك ليكسر حدود مواعيد نومه، ومواعيد استيقاظه للدراسة، والصغير فيه يُعفى من متابعة وجبات الأكل, ففي رمضان يتدرب على الصوم، عن الامتناع عن الأكل فيتعرّف وخزة الجوع، وتلك تجربة تضعه في صف الكبار،.. فالتعود على السلوك المادي في جسده نوماً ويقظةً وحرقة جوع ولذعة عطش، منفذ للتفكير فيه واستحثاث المدارك.. تلك هي النافذة الوسيعة للوالدين ليلجوا منها نحو تشكيل المعنى الدلالي لمفهوم الصوم، وقيمه وأبعاده العبادية والإيمانية.. إذ (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم) فإنه لله وحده.. وما أعظم هذا الفهم والإحساس به.. إنه معقد الطاعة وامتثال الجوارح وخفقة الروح.. تلك الخفقة التي انتشت في أول فرحة لكِ صغيرتي حين لم تكُوني قد وعيتِ شيئاً عن رمضان, لكنكِ احتفيتِ به كما لو أنكِ تدركين ما يستقر في صدور الكبار من المؤمنين بقيمه وعظمته..