وادي الدواسر - قبلان الحزيمي :
يتعطش ويتلهف كل مسلم لاستقبال شهر رمضان المبارك، الشهر الذي أنزل فيه القرآن، شهر الروحانيات والعبادات والمودة وكل شخص له ذكريات عن الشهر الكريم منذ طفولته وصباه، ولكن للذكريات مع كبار السن طعم آخر، فهم مدرسة نتعلّم منها، وعلى الجيل الحالي الاستفادة والتعلّم منهم.
وقد التقينا بالوالد عوض بن مسفر آل مهنا الدوسري الذي تجاوز التسعين عاماً من عمره وهو من سكان وادي الدواسر وتحدث إلينا بإسهاب عن أيام رمضان في صباه وكيف اختلف الحال، ففي البداية سألنا أبا مسفر عن الكيفية التي بها يعلمون بدخول الشهر، فقال: كنا نعرف ذلك بترائي طلوع الهلال، وبعد أن يتقدم أحدهم للقاضي بالمحكمة كشاهد بدخول الشهر وبأنه رأى الهلال ويثبت لدى القاضي دخول الشهر يكلّف الأمير آنذاك شخصاً يدعى محمد بن منصور الشرفاء فيمتطي ذلولاً من الإبل ويبدأ في إخبار الناس بدخول الشهر منوّهاً ومردداً (الصيام بكرة يا مسلمين)، مبتدئاً من غرب الوادي حتى يصل إلى مركز كمدة شرقاً، وكذلك الحال في الإعلان عن عيد الفطر المبارك، ثم تطور الحال مع وجود المذياع والذي كان يملكه قلة منا فيستمع إلى بيان الدولة فينتشر الخبر.
وعن برنامجهم اليومي خلال الشهر وكيفية الإفطار والسحور ذكر: بعد أن نصلي العصر يقوم كل صاحب مجلس، وكنا نسميها في ذلك الوقت مقهى أو روشن إن كانت في الأعلى، فيوقد النار بحطب الغضاء الذي كان متوفراً بالوادي حتى إنه كان يشكل غابة كثيفة قبل سبعة أو ثمانية عقود من الزمن، ثم نجهز القهوة آنياً من حمسها وتبريدها ودقها وطبخها وتبهيرها وزلها وعند الآذان نفطر على تمر وماء مع تناول القهوة، وقد يتوفر اللبن أو الحليب بعض المرات لدى ناس دون آخرين، وبعد أن نؤدي صلاة المغرب نعود نتسامر ونتجاذب أطراف الحديث، وقد نجد من يحدثنا عن فضل الشهر الكريم، وأحياناً تكون هناك سوالف في البحث عن لقمة العيش ومزارعنا أو ببعض الترفيه البريء من تناول قصائد الحكمة والأمثال والألغاز والقصص التي يكون غالبها تطغى عليه الشعبية والخيالية، ومعها نعد زلاً آخر من القهوة نحتسيه في تلك الفترة حتى يحين موعد صلاة العشاء والتراويح، التي كنا نصليها في مساجد بعضها عريش وأغلبها من الطين، ولا يتوفر فيها شيء مما هو موجود الآن لا من دورات المياه وأدوات وأجهزة الكهرباء ولا مكبرات الصوت ومحسناته ولا السجاد الفاخر، حيث كنا نصلي على حصر تصنع يدوياً ويأتي أغلبها من الأحساء وفي حال عدم وجود الحصر نصلي على الرمل، أما المصاحف فكانت تستورد من باكستان قبل أن يفتتح مجمع الملك فهد للمصحف الشريف بالمدينة المنورة.
وبعد الصلاة من لديه فلاحة يذهب إلى مزرعته ليسقيها، ثم يعود ليتناول طعام السحور الذي في الغالب مصنوع من البر كخبز التنور أو المرقوق أو العصيد أو العريك وهي ما تسمونه اليوم بالأكلات الشعبية المحببة للنفوس منذ ذلك الوقت وربما حتى الآن خصوصاً لأجيالنا والأجيال القريبة منا.
ويقول مواصلاً حديثه: إن من أجمل الأشياء التي يستحسن ذكرها هنا أن الجميع كانوا متكاتفين ومتعاونين، وكان الغني يفطر الفقير إما بإرسال طعام له في بيته أو في المسجد، وكان الناس لديهم عفّة، ولم نكن نرى متسوّلاً البتة ولا نعرف شيئاً اسمه تسوّل.
ويعتب ضيفنا أبو مسفر على جيل اليوم الذي يرى الناس فيه يستعدون للشهر الكريم بجمع الكميات الكبيرة من أنواع الأطعمة وأصنافها ويقضون يومهم في إعداد الأطباق التي بكل أسف نهاية الكثير منها في النفايات فضلاً عن أنها في الغالب أطعمة غير صحية تورث حسب قوله السكر والضغط وأمراض القلب وزيادة الكوليسترول وأمراض الكلى من خلال الأصباغ والمحسنات المضافة إليها، بينما يرى أن الأطعمة في وقتهم يتم جلبها من مزارعهم سواء من الحبوب أو الخضراوات أو الألبان أو اللحوم أو حتى البيض فهي صحية ومثالية.
وعن ذكرياته في الصوم خارج الوادي قال كانت بداية صومي وعمري عشر سنوات في الرياض عندما ذهبت في هذه السن بحثاً عن الرزق معتمداً بعد الله على نفسي وصمت في أماكن كثيرة داخل المملكة وخارجها، لكن لم أجد لذة لروحانية الشهر مثل تلك التي وجدتها في مكة المكرمة، وقال إن الإفطار في الحرم المكي الشريف له طعم آخر وهو يرى جموع المسلمين يفطرون في وقت واحد وبطعام واحد.