الذي أسمعه أننا كلنا -لا أستثني منا أحداً- ندَّعي كمال أخلاقنا وسماحة طباعنا..
نحن عندما نتكلم ونعبر عن أحوالنا، يخيل إلى من يسمع كلماتنا أننا نبات مجتمع ملائكي.. فنساؤنا أجمل وأكمل النساء، وأولادنا أصلح الأولاد وأكثرهم برا وعقلانية، ونحن أقرب الناس إلى الله، لا نكذب، ولا نخادع ولا نسرق، ونعطي كل ذي حقه حقه.
ولنا نظرة ورأي لإصلاح كل شيء، فنحن أيضاً نفهم في كل شيء، ونقول من المُثل والقيم ما يمكن أن يهدي أقواماً كثيرين غيرنا، ويصلح بلدانا غير التي نسكنها..
والذي أراه أننا -أو معظمنا - خالف ما نقول، وما نطالب الناس بعمله.. ونغرس في الأرض التي نسكنها بسلوكنا وما نظهره من مشاعرنا كل يوم نبتة لا تخرج إلا ثمراً نكداً يخالف ما نقوله ونظنه فينا.
فبسلوك كثيرين منا نغرس كل يوم نبتة للتعصب، وأخرى للتفرقة، وثانية لقلة الأدب وسماحة الأخلاق... نغرس في أبنائنا التمرد واللامسؤولية، واستسهال حقوق غيرهم، حتى وصل بعضنا إلى غرس دعوات تطالب بالتحلل من ديننا ومن أعرافنا. أسمع إننا متمسكون بديننا، حريصون عليه وعلى كماله، وأرى في قنواتنا الفضائية وما تبثه، وفي المجمعات التجارية الكبرى وما يحدث فيها ويخالف ذلك.
أسمع ما نقوله عن الحوار والحريات والرأي والرأي الآخر، وأرى كيف نتحاور وكيف يسفه بعضنا بعضاً عندما تتباين أفكارنا.
أسمع أننا ننبذ العصبية والقبلية، ونردد إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وأرى أننا نقسم فئات مجتمعنا إلى مسميات وتصنيفات نتفاخر بها وتعززها أفعالنا..
أسمع أننا على قلب رجل واحد، وأرى أننا أصبحنا شللا ومجموعات تتربص كل منها بالأخرى.
أتابع معظم شؤون مجتمعنا الملائكي، في الزواج والوظائف والترقيات، وفي صلة الرحم وحقوق الجار وغيرها، فأسمع شيئا يختلف عما أراه واقعاً... والله المستعان.