المعركة في ميدان الوعي الشعبي، هو ما يمكن قراءته في سياق التطورات السياسية في العلاقات الأمريكية الإيرانية الشائكة، وإرجاء الحلول العسكرية إلى أجل غير مسمى قد يكون إحدى ثمرات الثورة المخملية التي تشهدها إيران والتي كشفت عن انشقاق حقيقي ليس بين الشباب بأحلامهم وحكومة نجاد بل بين حماة الثورة أنفسهم، غير أن ما يمكن وصفه بالحرب الباردة التي جعلت التمترس في الوعي الشعبي أولوية على لغة الحرب والسلاح لم تكن وليدة الظروف الحالية بل حاول الجانب الإيراني الإصلاحي بذر بذورها في مقابلة للرئيس خاتمي مع قناة CNN قبل 11 عاما من تولي الرئيس أوباما، تلك المقابلة التي تغزل فيها خاتمي بأول صخرة حط المهاجرون الأمريكيون أقدامهم عليها في تأكيد ضمني على أن إيران لا تضمر للشعب الأمريكي أي عداء في صراعها مع حكومته. دعوة خاتمي حينها وجدت هجوما شرسا داخل التيار الإيراني المحافظ ونفورا داخل إدارة الرئيس بوش، لكن القناعة بالتحول إلى الميدان الشعبي في الصراع أخذت تنمو منذ ذلك الحين، ليؤكد الإيرانيون تحولهم نحو تلك القناعة بتصويتهم الأحد الماضي وبأغلبية ساحقه على إنشاء صندوق بقيمة 20 مليون دولار، أحد أبرز مهامه تعرية الانتهاكات الأمريكية لحقوق الإنسان، ويأتي هذا الإجراء الإيراني استباقا لانتهاء الزمن الذي حدده الرئيس أوباما للإيرانيين للدخول في مفاوضات تحل عقد العلاقة الشائكة بين البلدين في خطوة قرأها بعض المتابعين باعتبارها رفضا ضمنيا، هذا المشروع الشعبي المضاد سبقه مشروع أمريكي بتخصيص مبلغ يقارب 55 مليون دولار يستهدف تطوير تقنيات بث إذاعي باللغة الفارسية وإنشاء مواقع إلكترونية موجهة للإيرانيين وتوثيق ملف حقوق الإنسان الإيراني.
هذه الحرب الفكرية المحمومة وتركيزها على الإنسان ينبغي أن تؤكد اهتمامها به من خلال تجنيب إنسان المنطقة ويلات هذا الصراع واحتقاناته وإفرازاته الإقليمية، كما تستدعي النظر في عدم خلط الأجندات والزج بالبؤر المتوترة أصلا في صراع يذكي مآسي الإنسان ويضيع فرص التنمية الحقيقية على أبناء في المنطقة؛ فليس كل ما يهدم يمكن بناؤه بالأسمنت والحديد!
****