لا تزال قضية العنف ضد المرأة قضية شائكة، رغم وجود كل هذه الهيئات والجمعيات الحقوقية ولجنة العنف الأسري التي تعنى برفع الظلم عن المظلومين من النساء والأطفال الذين يلاقون عنفاً جسدياً من قِبل بعض الذكور، ما زالت المرأة تُضرب الضرب المبرح ليس في المناطق القروية والبدوية فحسب بل حتى في المناطق المتطورة والأحياء المتمدنة. ولست ألوم تلك الجهات والجمعيات الحقوقية بحجم ما ألوم ثقافة ترى ضرب المرأة حقاً مشروعاً يمارسه الأب والزوج والأخ الكبير والصغير، وأسأل الله ألا يصبح هذا حقاً مشروعا للابن أيضاً بحكم أنه (ذكر) وله مشروعية التطاول على (الأنثى)، مؤسف أن هذه الفكرة ما زالت موجودة ومتداولة في مجتمعنا!
ماذا يمكن أن تفعل جمعيات وهيئات حقوق الإنسان ولجان العنف الأسري، وكيف يمكن أن ترفع الظلم عن بنت يضربها أهلها، إذا كان الأخ أو الأب سيخرج لأعضاء تلك الجمعية متقمصاً بالرشاش أو بالمسدس أو حتى باللسان؟ لا شك أن تدخل الجهات الحقوقية هنا غير مناسب ولن يزيد حالة المرأة - الضحية - إلا سوءاً ولن يغير وضع العنف الممارس ضدها إلا أن يزيده ضراوة وشراسة، فليست البنت (المحترمة) من تشتكي أهلها للغريب، وإنما واجبها أن تتحمل الضرب وتكسير العظام والإهانات والحرمان من ابسط الحقوق من أجل اسم العائلة وسمعة القبيلة.
هذا الوضع لا يعني الاستسلام والخضوع لهذا الوضع غير الطبيعي، لكن العمل على تخفيف وإلغاء معاناة المرأة في مجتمعاتنا يجب أن يكون واقعيا وعمليا ومتدرجا، وألا نحاول أن نحرق المراحل ونقفز إلى المرادات النهائية البعيدة، أول ما يمكن أن نفعله هو التوعية بكل وسيلة ممكنة، بحيث نبدأ هذا من المدرسة ونغير قناعات أطفالنا عن العلاقة بأخواتهم، ونستغل كل وسائل الإعلام لكي تصل الرسالة وتتخزن في الذاكرة الجمعية بأن ضرب المرأة ليس بعمل مشرف، وقد جاء في الحديث النبوي عن محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - أنه وصف الرجال الذين يضربون نساءهم فقال: (لا تجدون أولئك خياركم)، وأنه لما جاءته امرأة تستفتيه في رجل يخطبها لكي تتزوجه أو ترده فقال لها: (إنه رجل ضرّاب للنساء) فضرب النساء عنده - عليه الصلاة والسلام - هو عيب شنيع وشديد في الرجل الذي يرى أنه يستحق أن تُرد خطبته وأن تُرفض مصاهرته من وجهة نظر نبينا الأمين على أمته عليه الصلاة و السلام.
بحكم متابعتي لما يُقدم من جهود مؤسساتية أقول كلمة حق: إنها جهود جبارة وقفزت سريعاً، لكن هناك أمران قد يكونان غائبان عن هذه الجهود، الأمر الأول: جذور تلك الثقافة السلبية التي من المفترض أن نعمل جميعاً على اقتلاعها من الجذور، وأهمها الفهم الديني الخاطئ الذي صنع أموراً جدلية في هذا السياق. أما الأمر الثاني: فهو العنف النفسي ضد المرأة المتمثل في حرمانها من كثير من حقوقها والتمييز ضدها في المعاملة.
من ناحية أخرى يمكن أن تُستخدم وسائل الإعلام لتوجيه رسائل مباشرة لأشخاص بعينهم ممن عُرفوا بالعنف ضد المرأة، عن طريق حملات إعلامية منظمة ومدروسة، وأقترح أن تعمل هيئة حقوق الإنسان على رسم خطة إعلامية متكاملة لهذه الحملة، ولا بد أن توجه رسالة واضحة للآباء أن نكون على قدر عال من الشفافية بحيث نذكر الإحصاءات الدقيقة التي تتعلق بحالات الانتحار عند النساء التي لا تقارن بحالات الانتحار عند الرجال، وأسبابها معروفة، وذلك لعل قلوب الآباء تحن على بناتهم، كما يمكن أيضاً للجهات الحقوقية أن تستصدر قوانين ولوائح وأنظمة بالتنسيق والعمل مع الجهات التشريعية، تنص على عقوبات واضحة وصريحة لمن يمارس العنف، ثم السعي وراء هذه القوانين لكي تُفعل وتطبق وتعمل لها دعاية كافية لكي تصل لكل بيت ولكل ممارس للعنف لعله يخاف إن لم يستحِ.
هذه مجرد محاولات لتقريب الصورة والتفكير فيما يمكن عمله في هذا الشأن وأنا متأكدة أن المختصات والمختصين يمكن أن يأتوا بأفكار وخطط أفضل مما كتب هنا، لكن المهم ليس في التخطيط فقط وإنما في التنفيذ والبدء في العمل.
www.salmogren.net