تمثل محافظة المذنب واجهة مشرقة من واجهات هذا البلد المعطاء, ومع أن عابر الطريق قد لا يرى منها غير ظاهرها الجميل كواحة خضراء من واحات منطقة القصيم الزراعية؛ إلا أنها تاريخيا تمثل صفحة مفعمة بعبق التاريخ وكنوزه التي تبعث كوامن النفس وتثير شجنها وحنينها نحو الماضي العربي الأخاذ بسحره الأدبي والتاريخي. كما تمثل في حاضرها لوحة جميلة وواجهة مشرقة من واجهات التطور والنهضة في بلادنا.
|
وإذا كانت بعض المصادر ترجع عمارة المذنب إلى القرن السادس الهجري فإن الشواهد الأدبية تثبت أن هذه المنطقة كانت حاضرة على مسرح الحياة والحركة قبل ذلك بكثير، بل أظن إنها كانت منطقة عامرة على مر التاريخ لما يتوافر فيها من عوامل الاستقرار التي تجتذب الإنسان الباحث عن المراعي والمياه التي هي قوام الحياة البشرية منذ بدء الخليقة.. وأول ما يبادر الذهن حول علاقة المذنب بالماء والنماء اسمها المشتق من مذانب الأودية وهي نهاياتها التي تشكل الرياض الخضراء. يدل على قدم المذنب حضورها الجميل في ذاكرة الشعر العربي من العصر الجاهلي وما بعده، مثل قول الشاعر الجاهلي الطويق النميري:
|
عرفت لحبى بين منعرج اللوى |
وأسفل ذات البان، مبدى ومحضرا |
إلى حيث فاض المذنبان وواجها |
من الرمل ذي الأرطى قواعد عقّرَا |
ومن ذلك أيضا قول الشاعر لبيد بن ربيعة العامري:
|
طرب الفؤاد وليته لم يطرب |
وعناه ذكرى خلة لم تصقب |
سفها ولو أني أطيع عواذلي |
فيما يشرن به بسفح المذنب |
|
خليلي عوجا من (رقاب) الركائب |
على طلل بين اللوى والذنائب |
والمجال هنا لا يسمح بتقليب الصفحات المطوية من الشعر والتاريخ المتعلق بالمذنب تلك الصفحات التي أثار شجني نحوها الباحث خالد الحسياني في كتابه: (صفحات مطوية من تاريخ المذنب) الصادر عام 1427هـ، في 344 صفحة مليئة بالمعلومات الدقيقة، والصور المعبرة، والوثائق النادرة التي تكشف الكثير من الجوانب الجميلة في تاريخ المذنب، وتؤكد حضارته العريقة، من خلال ما مر به من حوادث سياسية، وما سطره أهله من مواقف تاريخية مشرفة؛ خصوصا في عصر الدولة السعودية في مراحلها الثلاث. فقد كان المذنب حاضرا على مر التاريخ السعودي، وكان لأمرائه وعلمائه وأعيانه اليد الطولى في البناء وترسيخ الوحدة الوطنية الذي هو الهدف الأسمى لقيادة هذه البلاد حرسها الله. لقد أحسن المؤلف في إظهار الدور العلمي المشرق لهذا البلد من خلال ما قدمه من تراجم ومعلومات قيمة عن علماء المذنب وقضاته وطلبة العلم على مدى أربعة قرون.
|
يتميز الكتاب بحسن التبويب والتسلسل الموضوعي، ودقة المعلومات والاستدراكات الجيدة على بعض المعلومات السابقة، مما يدلل على الجهد الكبير الذي بذله الباحث رغم صعوبة مثل هذه البحوث وحساسيتها، في ظل غياب الدعم المؤسسي والاجتماعي الذي يعاني منه الباحثون. وقدم لهذا الكتاب وأثنى عليه أديبان كبيران أحدهما د. حسن الهويمل، والآخر الأستاذ الباحث عبدالرحمن بن عبدالله الغنايم.
|
لقد جاء هذا الكتاب تتويجا لمحاولات سابقة ورائدة أسست لكتابة تاريخ المذنب لباحثين رواد أمثال الشيخ محمد العبودي والأستاذ الباحث عبدالرحمن الغنائم، وغيرهما..
|
وختاما؛ فإني أعتذر عن التأخر في تناول هذا الكتاب الوثائقي، وأهيب بقراءته وأمثاله من المؤلفات الجادة التي تقدم لنا صورا مشرقة من تاريخ بلادنا الذي مازال الكثير منه مجهولا أو متجاهلا بسبب تقصيرنا نحو معرفته ونشره، فضلا عن تقصيرنا في دعم الباحثين الجادين كصاحب هذا الكتاب وأمثاله.
|
|