يذكرني رمضان بالمسحراتي الذي كان يقوم بدور إيقاظ الناس للسحور في وقت متأخر من الليل، حيث لم يكن في ذلك الزمان ساعات تنبيه متوفرة في كل مكان كما هو الحال الآن، ولم يكن هناك جوالات يمكن أن تضبط منبهها فيوقظك في الوقت الذي تريد.
ومهنة المسحراتي من المهن الرمضانية التي تعود بأطنابها في عمق التاريخ الإسلامي، فمما يذكر أنها كانت منذ العهد الإسلامي الأول، وانتشرت في عهود الدول الإسلامية المختلفة، ثم ظهرت بطبيعتها الفريدة في كثير من الدول العربية والإسلامية في القرن الماضي، وهو عهد معاصر، عاشه كثير من أبناء هذا الجيل، ولكن هذه المهنة بدأت تختفي بشكل كبير، وربما لا تظهر سوى في وسائل الإعلام التي تركز الضوء على العادات الرمضانية، وقل ما يندر من نجد من الدول الإسلامية من يحافظ على هذه المهنة التي استمرت في الشام وفي مصر وقتاً طويلاً.
بينما غابت معظم العادات الرمضانية عن كثير من الدول بحكم المدنية، والدخول في الحياة الحديثة، إلا أننا نتذكر تلك الأيام عندما كنا أطفالاً صغاراً ببقايا من ملامح غير واضحة المعالم، وربما من سبقونا في العمر تظل تلك الذكريات عالقة في أذهانهم طوال حياتهم.
كما يعيد إلينا رمضان الذكريات مع (العسة) رغم أنه لم يقتصر على شهر رمضان فقط، حيث كانت مهنة معروفة في معظم مدن المملكة قبل 3 عقود من الآن، وكان العسة يقوم بدور معهم في الحفاظ على الحي، وفي الرقابة على ممتلكات أهل الحي مما قد يتعرضون له من سرقات أو خلاف ذلك، ودور العسة كرجل أمن من الأدوار المهمة التي بقيت في الذاكرة، حيث إن رجل الأمن هذا يظل ساهراً طوال الليل يتنقل بين أجزاء الحي ونواحيه مراقباً بعين يقضه أزقته وشوارعه، قابضاً على كل من تسول له نفسه المساس بالحي أو أبنائه، بينما تكون كافة العيون قد أغمضت جفنيها في سبات عميق.
وعلى الرغم من الدور الأمني المهم الذي يقوم به رجل الأمن المسمى ب(العسة) في ذلك الوقت إلا أن إيقاع الحياة، وطبيعتها الحديثة لم تسمح ببقائه، حيث لم يعد هناك حاجة لمثل ذلك، مع وجود دوريات الأمن التي تتنقل بين الأحياء في أوقات مختلفة من النهار والليل، دوريات الأمن لم تعد رجل أمن واحد يتنقل راجلاً بين أزقة الحي، بل تجاوزت ذلك إلى التنقل بسيارات أمنية متخصصة بأشكالها المختلفة، وقد طرح بعض الكتاب الحاجة الماسة إلى إعادة دور العسة هذه الأيام ليقوم بحماية الأحياء من بعض الصبية الذين يمارسون السرقات، سواء سرقة السيارات أو المنازل - التي تكون في الغالب في غياب صاحب المنزل أو سفرة - لتستغل الفرصة لاقتحام المنزل وسرقته، ولكن لا أعتقد أننا بحاجة لإعادة دور العسة قدر حاجتنا إلى زيادة وتكثيف الدوريات الأمنية في الأحياء، وبالذات الأحياء التي تنتشر فيها السرقات أو الجرائم، بشكل أكبر، وقد حان الوقت لتنفيذ هذا الأمر خصوصاً أننا في وقت تزداد وتتوسع فيه أحياء المملكة في كافة المدن، وهذا التوسع هو الذي يدعو إلى وجود مثل هذه الدوريات التي من المفترض أن يخطط لها مدراء الشرطة في مدن ومحافظات المملكة، وهم قادرون على تنفيذ مثل هذا المقترح الذي يفرضه طبيعة النمو في عدد السكان، ونماء المدن، وزيادة المخططات السكنية.
كاتب وباحث في الشؤون الإعلامية
Kald_2345@hotmail.com