في سوق الخضار وبين أكوام الحبحب والشمام كنت أتنقل طالباً ما كان منها ناضجاً وحلواً، وبينما أنا كذلك التقيت برجل مسن كانت له استقراءات عجيبة وملاحظات ذكية يصيب بها معرفة ما يوجه نظره إليه متوخياً نضوجه.
|
قلت له: هل لك خبرة تعرف بها ما هو حلو وناضج من هذا الحبحب والشمام؟!
|
قال: ليس لي خبرة ولكنني أستدل على ما هو حلو وناضج بشيء واحد، فظننت أنه يلاحظ شيئاً يبدو على القشور كتغير لون أو إلى ذلك مما لا يلاحظه إلا ذوو الخبرة، والفطنة.
|
قلت له: ساعدني إذاً جزاك الله خيراً على التعرف على ما هو ناضج وحلو لابتاع منه، فقال: يدلّك الذباب، قلت له مستغرباً: الذباب؟ قال: نعم، قلت كيف؟ قال إذا ما رأيت الذباب يحوم أو يقع على كوم حبحب أو شمام أو حتى القرع، أو نحو ذلك فاعرف أن هذا الكوم ناضج وحلو، لأن الذباب لا يشتم إلا كل ما هو حلو فيحوم حوله ويقع عليه، ولا يكون الحبحب حلواً إلا وهو قد نضج وطاب أكله.
|
وبهذا الاستقراء من ذلك الرجل المسن وجدت صحة قوله، وأن هذه معلومة مفيدة والذباب ورد ذكره في بعض الأشعار بل أحدهم اتخذ منه قافية لبيت من أبيات قصيدة له وهو أبو العلاء المعري (363-449هـ) وذلك بقوله:
|
بني الآداب غَرَّكم قديماً |
زخارفُ مثل زمزمة الذُّبابِ |
والزمزمة: الصوت |
|