شاء الله أن تكون زيارة لبنان جزء من برنامجي الصيفي هذا العام حيث قضيت فيها أياما معدودات بعد غيبة امتدت لثلاثة أعوام، وكان سكني في منطقة بيت سعادة الواقعة قريبا من منطقة برمانا والذي يطل على منظر بديع عانق فيه الجبل البحر وتراقص الطير مع الزهر وغاية متعتي هناك كانت وقت الشروق عندما يمسح الفجر عن وجهة مسحة الظلام في هذا الفضاء المهيب فلا تسل عندها عن مشاعري ونشوتي، وقد دونت في هذا الوقت بعض التأملات عن تلك الرحلة:
1- مبالغة عجيبة في بيروت شاغل الناس وجاذبهم (السوليدير) تلك المنطقة العاجة بالبشر والأطياف المتنوعة المتفجرة بالحياة زرتها مرتين في رحلتي الأولى راغبا والثانية كارها ولكن نزولا عند رغبة رفقتي, وأروع ما في السوليدر تلك المساجد التي تحيط وقد أضفت عليه أجواء من الأنس والفرح وكان خلفها الزعيم الراحل رفيق الحريري رحمه الله وغفر له, في السوليدر يلتم شمل الخليجيين وينتظم عقدهم ولا يكاد سائح خليجي يتخلف عن زيارة السوليدر ولكن ما هو الحال هناك؟!
غلاء فاحش وزحام مزعج واستغلال فاضح واستعراضات باهتة تحكي قصة العقول الخاوية! رجال ونساء يجوبون الشارع غدوة وروحة لساعات وآخرون قابعون في كراسيهم كالدمى لا يتحرك منهم إلا الرؤوس أجهدوا رقابهم في المراقبة ومتابعة الناس ومن الأمور المضحكة أن اللغة السائدة هناك هي لغة الصمت فربما تجد أسرة أو مجموعة من الأصدقاء قد جاوزوا أصابع اليد ومع هذا لا حديث بينهم ولا حوار ولو هجمت على أحدهم فكرة أو أراد أن يتحدث فالغالب أنه لن يُحفل بكلامه ولن يقام لمداخلته وزنا ولن يجد إلا آذانا صماء وألسنا بكم وإذا عرف السبب بطل العجب! نعم الحرص على أن لا يغادره غاد ولا رائح إلا أحصاه قد أدمنوا النظر واتبعوا البصر، يتصفحون الناس كما تتصفح الكتب ببصر حاد وهمة عالية فلا تجدهم إلا أبصر من الزرقاء والمشاعر هناك أحر من دمع الصب ومن فؤاد الثاكل ولاحول ولاقوة إلا بالله وبعضهم تراه خافض الرأس قد طأطأ كتفيه وأرخى رقبته منشغلا بالبلوتوث وفي معرفة من حوله!!
في السوليدر استشرى وباء الشكلية وتجسد داء المظاهر وحضرت السطحية بأدنى درجاتها كما لم أره في مكان آخر! وفات على هؤلاء أن لاشيء أملأ للنفس وأملك للحسن وأكمل للشخصية من البساطة وأن يكون الإنسان نفسه! مبالغة عجيبة وتكلف مذموم واعتناء مَرضي بالمظهر وبعضهم (نساء ورجال) وأحدهم قد تخيل نفسه فتنة النظار وشرك الأبصار ووحيد الدهر وظن أن القلوب محلقة عليه تحليق الأطيار على الأشجار!
لو أن خفة عقله في رجله لسبق الغزال ولم يفته الأرنب.
سمعت كثيرا أن الشانز والإجور روود والسوليدر تستخدم كمنصات تعرض فيها بعض العائلات فتياتهم وهن بكامل زينتهن لعل أحد الوجهاء أو الأثرياء يقع في حبها وتعلق حباله بحبالها !!ولم أكن والله مصدقا الخبر فقد حك في صدري منه شيء فأغنانني الله بالمشاهدة عن السماع عندما رأيت هذا بأم عيني ووقفت على جلية الأمر واطلعت على حقيقته في السوليدر! وأتعجب كيف يرضى هؤلاء أن يعاملوا بناتهن كالسلع تباع وتشترى تزين وتلمع وتعرض للجميع!
2- في لبنان انكشف الستر ورفع الغطاء وزالت الأقنعة فالحديث عن الفتاة اللبنانية وعن جمالها الأخاذ كان أقرب للخرافة والوهم فلم الحظ في الأسواق والمطاعم والأماكن العامة تلك الميزة فالجمال عادي جداً وأجزم أن الفتاة الخليجية والسعودية في الجملة تفوق اللبنانية جمالا وجاذبية ولعل ما يميز اللبنانية هو أناقتها ورقة حديثها فقط.
3- في لبنان بعض الأماكن السياحية لا تحتفي بالسائح الكويتي كما يحتفون بالسعودي وبعد استقصاء عرفت السبب وهو لا يرجع إلى سوء خلق أو طباع خداع وكذب نهائيا بل يرجع إلى دقة السائح الكويتي ومنطقيته فحقه لا يسلب والأسعار من الصعب تمرير الزيادة عليه ومن خلفهم سفارات قوية كالجبل الأشم تدافع وتنافح وتستميت لحفظ كرامة السائح (عقبال سفاراتنا وخصوصا في القاهرة)
ويبقى السفر من متع الروح ومن مسليات النفس وغاسلات الهموم وأحسب أنه ارتقى لمرتبة الضرورات في هذا الزمان و ما نحتاجه في سفرنا إلا قليلا من الانضباط وشيئا من التخطيط والجدية دعواتي لكم دائما وأبدا بأوقات هانئة ورحلات ممتعة سعيدة.
ومضة قلم:
الوجوه مرايا النفوس,تضيء بضيائها وتظلم بظلامها.
* * *
khalids225@hotmail.com