ألقيت في لقاء خادم الحرمين بوفود المهنئين في قصر السلام في جدة في اليوم الثاني من رمضان
|
هذي قلاع المجد، عز كيانها |
وتجاذبت وتماسكت أركانها |
تمشي النجوم على ذراها، كلما |
جن المساء، فيزدهي بنيانها |
ويعانق القمر المضيء شموخها |
فتكاد تهتف باسمه جدرانها |
أما إذا انسكب الصباح على الذرى |
منها وهش لنوره بستانها |
وانساب ضوء الشمس في واحاتها |
متخللا ما ظلّلت أغصانها |
وسرى النسيم مداعباً أهدابها |
واستيقظت من نومها أجفانها |
فهناك يسعد كل نفس حسنها |
وتسر مقلة ناظر ألوانها |
هذي قلاع المجد جلجل صمتها |
نطقا، وأينع في السكوت بيانها |
فهي التي بالصمت أفصح ناطق |
مهما تعثر في الكلام لسانها |
وهي التي تبقى رموزاً، يرتقي |
في كل عصر قدرها ومكانها |
فيها تعانقت المكارم، والتقى |
إيمانها في ساحها وأمانها |
هي مهبط الوحي المبين، بنوره |
اغتسلت، فزالت بعده أدرانها |
لما تلا المختار (اقرأ) أشرقت |
وتساقطت من حوله أوثانها |
وتطامنت شم الجبال تواضعاً |
وتشربت مما تلا آذانها |
فكأن حصباء البطاح تحولت |
فيها لآلئ، قد غلت أثمانها |
يا خادم الحرمين، هذي قبلةٌ |
كبرى، ثقيلٌ بالهدى ميزانها |
من حولها البلد الأمين وأمةٌ |
في كل ناحيةٍ، هَفا وجدانها |
فالشام، واليمن السعيد، ومصرُها |
وعراقُها، ومحبها سودانها |
وخليجها العربي في أعماقه |
شغف تبوح بمثله إيرانها |
والمغرب العربي يخفق قلبه |
حباً، وكشمير وباكستانها |
وعلى مآذن تركيا وقلاعها |
من حبها صور بدا برهانها |
وهناك من خلف البحار تطلعت |
شيشانها حباً وتركستانها |
ومآثر التاريخ في بلقانها |
تشدو بما تشدو به أفغانها |
أما فلسطين الحبيبة فالمدى |
في ناظريها، والزمان زمانها |
فيها شقيق المسجدين ولم تزل |
في سجنها، يلهو بها سجانها |
يتطلع الأقصى إلينا، كلما |
هز المشاعر للصلاة أذانها |
يا خادم الحرمين، دولتنا التي |
ورثت ينابيع الهدى أوطانها |
إن قيل: تلك سفينة، فالبحر في |
زهو بها، وشموخها ربانها |
أو قيل: ذلك موكب فأمامه |
طرق النجاة يحفها ريحانها |
هي دولة قامت على الدين الذي |
لولاه، ما سبق الخيول حصانها |
لما مشى عبدالعزيز مكبراً |
سلك الطريق وراءه فرسانها |
أستار كعبتها دلائل حشمة |
مهما تراقص حولها مجانها |
يا خادم الحرمين، أنت تقودها |
وإليك ألقي سرجها وعنانها |
أنت الذي أسكنت قلبك حبها |
فاستوطنته وسرَّك استيطانها |
ما زلت تمنح مسجديها خدمة |
عظمى سرت بحديثها ركبانها |
في وجه مكتها علامات الرضا |
وبحب طيبتها يفيض جنانها |
شرف تضاءلت المفاخر عنده |
لا فرسها بلغت ولا رومانها |
والله لولا دينها ما أسرجت |
قنديلها قحطان أو عدنانها |
ظلت تدير رحى الحروب لنفسها |
لا عبسها انتصرت ولا ذبيانها |
ذاقت قبائلها الشتات، وحينها |
بعث الرسول تبددت أحزانها |
فجمالها إسلامها، وجلالها |
إيمانها، وبهاؤها إحسانها |
يا خادم الحرمين هذي دولة |
يسمو بها نحو العلا إيمانها |
تلك الأمانة - لا عدمتك - عبئها |
عبء يشير إلى الرجال بنانها |
أبت السماء وأرضنا وجبالنا |
منها، وناء بحملها إنسانها |
فلأنت تحملها، ونايف أمننا |
وولي عهدك - قبله - سلطانها |
فيكم لها أمل يطمئن قلبها |
وكفيلها ووليها رحمانها |
فهو الذي علم السرائر عنده |
مهما يطول على المدى كتمانها |
أركان دولتنا يثبتها الهدى |
وبه تعز ويشرق اطمئنانها |
فهي المنيعة بالشريعة، دارها |
دار الهدى، ويقينها عنوانها |
والأمر بالمعروف خيمة أمنها |
ولسان خير الأنبياء لسانها |
أبشر بعزتها وطول بقائها |
إن ظل يرفع رأسها قرآنها |
|