Al Jazirah NewsPaper Sunday  30/08/2009 G Issue 13485
الأحد 09 رمضان 1430   العدد  13485
الليل الطويل..!
حمَّاد بن حامد السالمي

 

إعلان وزارة الداخلية، الذي كشف عن خلية إرهابية جديدة، تنشط وتخطط ضمن مشروع القاعدة الإرهابي في المملكة، لم يكن مفاجئاً البتة.. لم يكن مفاجئاً لكثير من المتابعين في الساحة، ولا حتى الأجهزة الأمنية ذاتها، التي ظلت تتابع وتلاحق هذه الشبكة وتحاصرها مدة عام كامل، وهي تراقب

...وتتابع كل تحرك لا ينسجم مع أمن البلاد، ولا مع ديمومة الاستقرار فيها.. المفاجأة الحقيقية يا سيدات يا سادة.. هي الإعلان عن نظافة المجتمع السعودي كله، من نزعات التعاطف مع طالبان والقاعدة، وخلوه كله، من العناصر الغبية، التي تعتقد أن أنصار القاعدة وأسامة بن لادن، سوف ينتصرون على دول وشعوب العالمين العربي والإسلامي، وسوف يتسلمون زمام الأمور حاكمين بأمرهم، هازين من بعد ذلك عروش الشرق والغرب، مقيمين دولة الخلافة الإسلامية (الحلم البليد)، التي سوف تذبح الكفار من اليهود والنصارى، وتقتل كل من لم يدن لها بالولاء والطاعة، ثم تستفرد بهذا الكون الكبير.

إنها مفاجأة سارة جداً لو تحققت، لكن.. يبدو أن بيننا وبينها ليلاً طويلاً.. طويلاً جداً.

* شبكة ال (44) إرهابياً)، هي على ما يبدو، خلية ذات نوعية مختلفة عما سبق من خلايا نائمة. إن جل عناصرها هم من الجامعيين الذين يحملون شهادات بكالوريوس وماجستير، وهم كما جاء في تقارير منشورة، تتراوح أعمارهم بين العشرين والستين، فهم إذن من جيل القاعدة الأوائل، الذين تتلمذوا على ابن لادن والظواهري، ووجود جامعيين من بين عناصر إرهابية بهذا العدد الكبير، يفسره الربط بين هذه الظاهرة الشاذة، وبين ما كان يشاع من منح شهادات جامعية لطلاب كانوا يقاتلون أو (يجاهدون) في أفغانستان قبل 11 سبتمبر 2001م، مكافأة لهم لا أكثر..!

* اللافت فيما نشر على خلفية القبض على (شبكة ال (44) الإرهابية) ما يلي:

1- أنهم يشكلون شبكة.. أي تنظيم واحد، وقوة متماسكة.

2- أن أعمارهم بين العشرين والستين.. أي وجود خبرة من مقاتلين سابقين في صفوف طالبان والقاعدة، ومجندين صغار من خدام العمل السري.

3- أن أكثر من سبعين في المئة منهم جامعيون، وهذا يعني أن فيهم منظرين شرعيين للحركة، ومنظمين ومدربين لكوادرها الشابة، على اعتبار خبرتهم السابقة في القتال والجهاد، سواء في أفغانستان أو في العراق والشيشان على سبيل المثال.

4- أنهم يستخدمون التقنية الحديثة في تدريباتهم، وفي تزوير الوثائق، وفي صنع وإعداد الخلائط المتفجرة، واستخدام الهواتف الجوالة في التفجير عن بُعد يصل إلى ألف كيلو متر، بل من أي بقعة في العالم..!

5- أنهم تلقوا تدريبات في الداخل والخارج، وإذا عرفنا أن الخارج متاح لمثلهم، فتدريباتهم في الداخل، لم تكن لتتم لولا وجود دعم ومساندة وتنظيم إداري محكم.

6- أن بينهم رجال أعمال وتجاراً، وأنهم يستغلون العمل الخيري، ويستحوذون على أموال خيرية لجهة شراء السلاح وتكديسه، وشراء الأنفس أيضاً لتجنيد الأتباع، وصنع المتفجرات، والتخطيط لعمليات إرهابية تستهدف الوطن والمواطنين.

7- إضافة إلى نوعية عناصر الشبكة، فهي تمتلك ترسانة من الأسلحة الفتاكة: (67 رشاش كلاشنكوف - 31500 طلقة نارية - 376 دائرة إلكترونية للتفجير عن بُعد).

* إن الإعلان عن هذه الشبكة الإرهابية وكشفها من قِبل وزارة الداخلية، هو مما يجدد الثقة في رجال الأمن البواسل، ويؤكد على حالة الاطمئنان التي يشعر بها المواطن في هذه البلاد، فالدولة بكافة أجهزتها الأمنية والمدنية، لن تسمح لأي أحد أن يمس المكتسب الأمني الذي توفر عليه المواطن السعودي منذ عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، ولن تتسامح مع أي جهة كانت، تسوّل لها نفسها استهداف استقرار هذه البلاد ووحدتها، كما أن هذا الإعلان غير المفاجئ، ليؤكد من جديد، على أن الفكر التكفيري الضال، ما زال قائماً ومستوطناً بيننا، وأن الهوس بطالبان والقاعدة وحلم الأممية الإسلامية، ظاهرة موجودة ومتمكنة من بعض العقول البليدة، وتجد الدعم والمؤازرة، من شيوخ لهم تقديرهم عند شريحة من الشباب المتعاطفين مع فكر طالبان ومشروع القاعدة، وتتلقى الدعم كذلك، من رجال أعمال مناصرين، ومن منتديات إلكترونية ضالة، وفتاوى ظلامية شاذة، وأقلام خفاشية تجهد في مكافحة ومنافحة كل قلم حر، يكتب ضد الإرهاب وضد التكفير، ويندد بالغلو والتشدد، والأمرّ والأضرّ من ذلك، تلك المجاميع البريدية (الإسلامية)، التي تتولى الرد على الكتاب تحت ستار من شرعية دينية مزيفة ومفتعلة، لتغطية المكشوف من أمر الموالاة لطالبان والقاعدة، والمعاداة للوطن والوطنية.

* إن الأمر يتطلب أخذ المزيد من الحيطة والحذر، والضرب بيد من حديد، ضد كل عابث وعميل لطالبان والقاعدة، واستئصال كل موالٍ أو مناصر للمشروع الإرهابي في المنطقة والعالم، وضبط العمل الخيري وحمايته من المستغلين والمنتفعين واللصوص، وملاحقة ما يتردد حول استغلال نزعة هذا الشعب الخيري بطبعه، لاستلام تبرعات عقارية وغيرها، وتسجيلها بأسماء أشخاص بأعيانهم، وليس باسم مؤسسات خيرية رسمية، بحجة تسهيل الإجراءات الإدارية في الجهات الحكومية.

* يجب أن نعترف بكل تجرد وشفافية، أن التحاق مواطنين سعوديين بقطار المشروع الإرهابي للقاعدة، أو منح ولائهم لطالبان والشيطان، إنما هو نتاج بيئة ثقافية مغالية ومتشددة تقوم على توثين الوطن، وتأثيم الوطنية، وتكريس العدائية والكراهية ضد كل من عداها وليس فقط من عاداها.

* إنه من العار والشنار، أن نجد سعودياً واحداً يتعاطف مع القتلة والمجرمين، سواء في طالبان أو القاعدة أو غيرهما، عوضاً عن تكفيره للناس، وتكديسه للسلاح، وتدريبه نفسه للتفجير في منشآت وطنية، وقتله لمواطنيه، وتدميره لمرافق نفعية في وطنه وبين أهله.

* نرفع أيدينا في خطبة كل يوم جمعة في بعض المساجد، وفي دعاء القنوت، فندعو باكين متضرعين، أن ينصر الله (المجاهدين في كل مكان)، لكنا لم ننتبه (ربما)، إلى أن المتلبسين بالجهاد، والمعتسفين له، مثل ابن لادن والقاعدة وطالبان وشراذمها التكفيرية في كل مكان، يدخلون في سياق هذا الدعاء، فنحن لم نستثن أحداً منهم على الأقل..!

* الأعجب والأغرب من هذا كله، أننا ندعو كذلك في خطبة الجمعة، وفي دعاء القنوت في هذا الشهر الفضيل في بعض المساجد، على أعداء فرضيين حتى اليوم، ونخصص فندعو على الكفار والعلمانيين والليبراليين والتغريبيين، ثم نسكت عن الدعاء على التكفيريين والإرهابيين، الذين كفّروا وفجّروا وروّعوا وقتلوا وهددوا أمننا واستقرارنا أكثر من مرة، وما زالوا كذلك، وقد فعلوا ذلك بيننا، وأمام أعيننا، ونحن لم نجرؤ على ذكرهم في أدعيتنا بما يكرهون حتى اليوم، اللهم إلا إذا عدوا من المجاهدين الذين ندعو لهم بالنصرة ظهيرة كل جمعة، وفي ليالينا الرمضانية هذه..؟!



assahm@maktoob.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد