إشارة إلى ما نشر في جريدة الجزيرة عن دراسة الوقود الحيوي، أرفق لكم التنقيحات التي قمنا بها، راجياً نشرها بغرض تصحيح ما علق بذهن القارئ من لبس.
وأنتهز هذه الفرصة لكي أشكركم على اهتمامكم بما يصدر عن هذه المؤسسة من بيانات ومعلومات، متمنياً لكم وللجريدة كل التقدم والنجاح.
في الوقت الذي نقدر كل التقدير حسن اختياركم لتغطية موضوع دراسة الوقود الحيوي وتأثيراته على الأمن الغذائي العالمي وما له من أهمية بالغة كموضوع حساس، والتي أعدها المعهد الدولي لتحليل الأنظمة التطبيقية (أياسا) ومقره فيينا، بتكليف من صندوق الأوبك للتنمية الدولية (أُفيد)، إلا أننا نود أن نشير إلى بعض الملاحظات المهمة بهدف تصحيح بعض المفاهيم التي حصل فيها بعض الالتباس نتيجة الترجمة والتلخيص.
أولاً:
لقد ورد في التقرير المنشور (أن السيد فارس حسان الذي شارك في إعداد الدراسة يقسم أنواع الوقود الحيوي المستخدمة حالياً إلى نوعين: منتجات الجيل الأول وهي البيوإيثانول (أو الإيثانول الحيوي) والبيوديزل (أو الديزل الحيوي)، ومنتجات الجيل الثاني المستخرجة من الأعشاب وجذوع الأشجار).
بينما الصحيح أن ما قاله السيد فارس حسن (وليس حسان) هو أن أنواع الوقود الحيوي تنقسم إلى نوعين وهما، الإيثانول الحيوي (البيوإيثانول) والديزل الحيوي (البيوديزل)، وأن الجيل الأول من هذين النوعين ينتَج باستعمال محاصيل زراعية غذائية مثل الذرة والحنطة وقصب السكر والزيوت النباتية، أما الجيل الثاني فتجري حالياً أبحاث لإنتاجه صناعياً من الأعشاب والنباتات غير المخصصة للغذاء، حيث يتم استغلال أجزاء النبات كافة وليس المحصول (الثمار).
ثانياً:
وورد في التقرير المنشور (يقول بن شريف أن أكثر القضايا إلحاحاً في الوقت الراهن هي التغير المناخي والوقود الحيوي والأزمة المالية العالمية).
والصحيح أن القضايا الأكثر إلحاحاً التي تطرق إليها السيد بن شريف هي التغير المناخي وإمدادات الطاقة، ومن ضمنها قضية إنتاج الوقود الحيوي وآثاره السلبية على الأمن الغذائي الذي برز بسبب أزمة الغذاء العالمية عام 2008، أما الأزمة المالية العالمية فلم ترد في المناقشة بل إنها خارج نطاق الدراسة.
ثالثاً:
لقد لخص التقرير المنشور أهداف الدراسة بصورة جيدة، أما بالنسبة لنتائجها فقد تم تلخيصها بصورة مقتضبة ومبعثرة، وكان بالإمكان إدراجها بصورة أكثر تفصيلاً وبالترتيب المنطقي التالي:
- سيتم تحويل 2500 مليون طن من المحاصيل الزراعية المخصصة كمواد غذائية لإنتاج الوقود الحيوي.
- سيؤدي ذلك إلى زيادة أسعار الغذاء بنسبة تصل إلى 30-50%.
- سيزداد نتيجة لذلك عدد الفقراء والمحرومين من الغذاء بما يناهز 140 مليون نسمة.
- ستكون القيمة المضافة للناتج الزراعي طفيفة في الدول النامية بحيث لا تتجاوز نسبة (3-5%).
- فضلاً عن زيادة التنافس على الأراضي الزراعية التي تقدر بحوالي (30-45) مليون هكتار.
- ودمار (15-18) مليون هكتار من الغابات.
هذا بالإضافة إلى أن الفائدة المرجوة للحد من الآثار السلبية للتغير المناخي ستكون محدودة للغاية ولن تأتي بثمار ملموسة إلا بعد 40 عاماً.
رابعاً:
ورد أن الدراسة (استخلصت نتائجها من مقارنة خاصة على هيئة سيناريو يتصور أن المزيد من البشر تصل أعدادهم إلى ملايين معرضون لخطر الجوع. كما يتصور السيناريو استمرار ارتفاع أسعار السلع الغذائية بسبب التوسع في إنتاج الوقود الحيوي، ما يسفر عن تقلص الاستهلاك الغذائي في الدول النامية ويؤدي إلى تزايد حالات نقص التغذية المرضية (سوء التغذية). وحسب الدراسة فإن أكثر المناطق التي ستتأثر بشدة من التوسع في إنتاج الوقود الحيوي هي منطقة جنوب آسيا. وفيما يفترض السيناريو الأول آثار إنتاج الوقود الحيوي من الجيل الأول بحلول عام 2020، ويفترض السيناريو الثاني ما يمكن أن يحدث مع الهرولة الحاصلة في إنتاج الوقود الحيوي من الجيل الثاني بحلول عام 2015م. وتقول الدراسة إنه في الحالتين يجرى استخدام النبات بأكمله وليس جزءاً منه فحسب، وهو ما ينذر بنتائج مروعة. وحتى عند استخدام جزء فقط من النبات، فإنه يجدر الانتباه إلى أن الأجزاء النباتية التي لا تستخدم مباشرة في تغذية البشر يمكن أن تمثل غذاء من الدرجة الثانية.
والصحيح أن الدراسة قد استخلصت نتائجها من عدة سيناريوهات، وأن النتائج الموضحة أعلاه ستكون في حالة إنتاج كميات وقود حيوي تغطي الأهداف الاستهلاكية المعلنة للطاقة من قبل الدول الصناعية ودول أخرى حتى عام 2020. ويفترض هذا السيناريو الاعتماد على وقود الجيل الأول حتى عام 2015، ومن ثم البدء بإنتاج الجيل الثاني وزيادته تدريجياً حتى عام 2020م.
خامساً:
وفي ختام التقرير المنشور ورد أن الدراسة تتساءل ما إذا كان هناك (ما يكفي من الأرض الزراعية في الصحراء الأفريقية لإنتاج الغذاء والطاقة الحيوية في الوقت نفسه؟ وتجيب بأن أقل من 9% فقط -من إجمالي ثلاثة بلايين هكتار مثل مساحة الصحراء الأفريقية- هي المستخدمة حالياً لإنتاج المحاصيل الزراعية. وهناك 45% إما مساحات مائية أو صحراء أو أرض جرداء أو منحدرات شاهقة أو أراض هامشية الإنتاج. وتمثل الغابات 18%. وهناك 6% من الأراضي غير المسموح بزراعتها لأسباب مختلفة، وأقل من 1% مناطق عمرانية. وتغطي الأدغال والأعشاب السافانا 22% من الأرض).
وفي حقيقة الأمر، إن الدراسة تتساءل عن كفاية الأراضي الزراعية في دول أفريقيا جنوب الصحراء (وليس في الصحراء الأفريقية نفسها) للغذاء والوقود والحيوي، وتبين أن الأراضي المتاحة للزراعة حالياً هي 9% فقط، في حين أن ما يقرب من 70% من الأراضي تشكل مسطحات مائية، وغابات، ومحميات أو أراضي مهمشة وجرداء، أي لا يمكن الزراعة في أي منها. أما بالنسبة لـ22% الباقية فهي عبارة عن مراع ومناطق عشبية. وتجدر الإشارة إلى أن نصف الغلال الزراعية في المناطق الصالحة للزراعة تُستغل للحفاظ على الثروة الحيوانية الضرورية، مما يعني ضرورة زيادة إنتاجية هذه الأراضي لضمان الأمن الغذائي لأفريقيا، بالإضافة إلى استغلال المراعي الباقية للزراعة إن أمكن. لذلك فإن أراضي أفريقيا لا يمكن استغلالها لأغراض الوقود الحيوي إلا إذا كان من الجيل الثاني وبصورة محدودة لا تؤثر على الأمن الغذائي.
مدير عام صندوق «أفيد» سليمان بن جاسر الحربش