يعجبني كثيراً الشيخ سلمان العودة، وأتابع برامجه التي تعرض خلال أيام شهر رمضان بشكل يومي، يؤكّد الشيخ خلال حديث له عن الإنفاق على أهمية صدق السريرة، وأن يكون الإنسان صادقاً مع الله في كافة أفعاله...
مشيراً إلى أن هناك أناساً لديهم أخطاء كبيرة تجاه ربهم لكن فيهم الخير الكثير، وتؤكّد الحلقة التي شاهدتها على نبذ الجشع، وعلى أهمية البذل والعطاء خاصة في هذا الشهر الكريم، حيث ورد في القرآن الكريم: (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)، وحرف الواو هنا أداة ربط، جعلت من كافة هذه الأعمال حلقة متصلة بعضها مع بعض، حيث أوردت الحلقة، في تقرير شخص كان شديد الخشوع في صلاة النافلة، ثم كشف التقرير أن هذا الشخص محترف في الغش والنفاق أثناء عمله في التجارة.
وهنا يطرح سؤال مهم، كيف يمكن أن يكون هناك إنسان صادق مع الله، ونجده شديد الحرص على الصلوات، وعلى النوافل، وعلى الحضور إلى المسجد في وقت مبكر جداً - طوال العام - وتجده شديد البكاء عندما تُذكر آية من القرآن تتحدث عن المنافقين، أو من خسروا الدنيا، ثم نجد أن الشخص ذاته - مقتراً - على نفسه وعلى أهله، رغم أن الله قد وهبه الأموال الطائلة، ونجده لا يحرص على النفقة على الفقراء، والمساكين، واليتامى، الذين ذكرهم القرآن الكريم. من منظوري الشخص، أن مثل هؤلاء لم تؤثّر فيهم صلاتهم، ولم يعطوا الصلاة حقها - حتى لو نفذوا هذا الأمر ظاهرياً أمام الناس - الآية القرآنية تشير إلى منظومة، مرتبطة بعضها مع بعض، هذه المنظومة لا تتجزأ، وإلا لكان إيمان هذا الإنسان ناقصاً، وحضوره الفعلي في الصلوات أيضاً ينقصه الكثير، حتى لو حضر جسدياً.
الدولة تقوم الآن بمشروع جبار، ورائع لمحاربة الفقر، وهي الدعوة الكريمة التي نادى بها خادم الحرمين الشريفين، ونفذها فعلاً عندما كان ولياً للعهد، وقام بزيارة الفقراء في منازلهم، إن هذه الخطوة المحسوبة لخادم الحرمين الشريفين، هي أيضاً دعوة صادقة لكافة الميسورين أن ينفقوا مما أعطاهم الله، أن يساهموا في مكافحة الفقر، أن يتلمسوا حاجات الأسر اليتيمة، وأن يتبنوا مثل هذه الأسر، وبالذات اليتامى - الذين كثيراً ما أوصى بهم - ديننا الحنيف.
في المملكة آلاف الأسر اليتيمة، إلى جانب الأسر الفقيرة - التي لا تجد قوت يومها - أين نحن من هؤلاء، ولماذا نظل ننتظر أن تنفذ الدولة مشروعاً كهذا، لماذا لا نعمل نحن، كل واحد منا، يعمل من جهته، خاصة عندما يقوم بتبني بعض الأسر الفقيرة، أو الأسر اليتيمة، أو على الأقل أسرة واحدة أن لم تتمكن، وإذا كنت أقل قدرة لماذا لا تكفل يتيماً واحداً أو فقيراً واحداً من الأسر الموجودة، هذا العمل يا سادتي سنجد آثاره على حياتنا اليومية، إنه ليس كلاماً نظرياً، ولا وعظياً، بقدر ما هو عمل مجرب، لمس آثاره كل من جربه.
نعود مرة أخرى إلى الشيخ العودة الذي حث في حلقته تلك على البذل والعطاء طوال العام، وبالذات خلال شهر رمضان الكريم، لنجد أن سلمان العودة لم يعد داعية إسلامياً فقط، كما توقف البعض - عند هذا الحد - وإنما نلمس تحول الرجل من مجرد داعية، أو واعظ، إلى مفكر إسلامي، إنه صاحب فكر، هو يقيس الأمور الآن بموازين مختلفة كلياً عن قياساته السابقة، إنه يطرح الحلول أمام عامة الناس، الحلول الإسلامية، ويعالج بعد أن يضع يده على الجرح، بدراية المربي الفاضل، والمحب لأبناء هذه الأمة، لأنه لا يضيق ولا يعقد المسائل، بل يجد لها المخرج، سأله أحدهم ذات مرة عن شخص يصوم ولا يصلي إلا نادراً، هل يقبل صيامه، فكان رده: أنه إذا كان الشخص مفرطاً في أحد الأركان الإسلامية، لا يعني ذلك أن نعينه على أن يفرط في كل الأركان، دعوه يصوم، بل علينا أن نساعده حتى يأتي اليوم الذي يصبح فيه مواظباً على الصلاة، بينما نجد شيوخاً آخرين يكفرون فاعل هذا الفعل، ويعتبرون أنه لن يقبل منه أي عمل، وشتان بين الإجابات المنغلقة، وبين من يعمل على الإصلاح، وعلى إيجاد الحلول التي تتناسب وسماحة الدين الإسلامي العظيم.
Kald_2345@hotmail.com