عُوفيت وشُفيت، وكُفيت شرَّ كل الأشرار، ومكر البغاة المعتدين، وسلمت يداك وعيناك أيها الأمير الجليل، سلمت يداك اللتان مددتهما بكل الصدق والكرم والحب، مددتهما مصافحاً، مددتهما وقلبك مفعم بالعفو والصفح، لكن الأيدي الآثمة لا تعرف هذا ولا تعترف به، إنها أيادي تربت على العدوان، وعلى البغي وسفك الدماء، هذا ديدنها على مر التاريخ، فهي أيادي لا تعرف إلا.....
..... الغدر، وسفك الدم، والكراهية والعدوان، وسلمت عيناك اللتان تسهران على أمن هذه البلاد والعباد، تسهران على أن تظل هذه البلاد كما نعهدها واحة أمن وأمان وسلام، عيناك تسهران لكي يظل المواطن والوافد آمناً على نفسه وماله وعرضه، لكن أعين البغي مصابة برمد مزمن كعادتها، وبعمى ألوان جعلها لا تفرِّق بين الحق والباطل، لذا ها هي تسهر تدبر وتخطّط للإفساد والترويع، للقتل والتدمير، لرد الاعتبار بعد أن توالت عليها الهزائم والانتكاسات، إنها أعين حول استمرأت رؤية الحقائق والبصائر مشوّهة، تغذيها عقول مريضة، مشحونة بأفكار وضلالات مرتدة فاسدة، شاهت هذه الوجوه، وشلّت تلك الأيدي، وأعمى الله بصائر كل ظالم باغ، ورد كيدهم في نحورهم، وكفى المسلمين شرَّ الفتنة التي ما زالوا يوقدون أوارها بحقدهم وفاسد اعتقادهم.
لقد آلم هذا الاعتداء كل محب لدين الإسلام دين المحبة والسلام، لأن هذا الاعتداء يشوِّه القيم السامية التي أولت المحافظة على الإنسان عناية وأولوية، فالإسلام يحافظ على الضرورات الخمس لكل مسلم، لكن هؤلاء البغاة اعتدوا عليها وشوّهوها، فتدين هؤلاء البغاة يذكّرنا بتدين قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه، حيث قتلوه تقرّباً إلى الله، وأسلوبهم في سفك دم هذا الباغي انتحاراً يوحي بتجردهم من كل معاني الإنسانية وقيمها.
كما آلم هذا الاعتداء كل محب لهذه البلاد الطاهرة، هذه البلاد التي فتحت قلبها وذراعيها للقاصي والداني، وشملتهم بفيض خيراتها وأمنها، ومبعث الألم يكمن في الانعكاسات الخطيرة لهذه الأفعال التي تتعارض تماماً مع ما يؤمن به كل الناس هنا في المملكة العربية السعودية، فأبناء المملكة تربوا على وسطية الإسلام وسماحته وعدله، وعلى رفض البغي والعدوان، ومبعث الألم يكمن كذلك في الإيحاءات المشوّهة لهذه الأفعال الباغية، فالمتربصون بهذه البلاد من مخالفين ومختلفين سوف يستغلون هذه الأحداث لمزيد من التشويه والاستدلال على ما يروِّجون له من كذب وبهتان ضد إيمانيات المملكة ومنهجها الذين اختطفهما هؤلاء البغاة، وأخرجوها من مفاهيم الاعتدال والوسطية التي طالما كانت سمةً وطابعاً مميزاً للتدين في هذه البلاد، فحسبنا الله ونعم الوكيل على من تسبب في تشويه الصورة، وأظهرها بهذا المظهر المعتدي الباغي، الذي يؤمن بالقتل وسفك الدماء والتدمير، وكل المعاني الهدَّامة التي تعد دخيلة على الإسلام، دين التسامح والتآخي والتسامي، ورفض كل ما يفضي إلى تجريد الإنسان من إنسانيته وتحويله إلى مجرد أداة للتدمير والقتل.
لكن العزاء يتجلَّى في أن دلالات أفعال هؤلاء البغاة أوهن من أن تنطلي على العقلاء العارفين بالإسلام عامة، وبما يؤمن به عامة الناس هنا في المملكة العربية السعودية، ففي حادثة الاعتداء على الأمير محمد الكثير مما يستدل به على أن هؤلاء البغاة خارج الإطار العام لمنهج الإسلام وما يؤمن به علماء المملكة وعامتها، فهذا الباغي المعتدي أعلن عن أنه يرغب في تسليم نفسه كما جرت العادة مع غيره ممن سبقه من الخارجين، رحب الأمير بهذا وفتح له الباب مشرعاً في بيته، ومما عزَّز الثقة كون الطلب في هذا الشهر الكريم، لكن الباغي كان يضمر خلاف ذلك، لقد استغل المكان والزمان أسوأ استغلال، فعمد إلى الكذب وهذه سمة تتنافى مع خلق المسلم، وعمد إلى الغدر، والغدر ليس من خصال المسلم، وعمد إلى الانتحار، والمسلم الحق لا يقتل نفسه لأنه يعلم أن قاتل نفسه في النار.
نعوذ بالله من انتكاسة الفطرة، وزيغ القلوب والعقول، وحفظ الله بلادنا وقادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.