لا يشغلنكم عن الفقراء المساكين جوعكم، ولا عنهم عطشكم، فهم يزدادون جوعاً وعطشاً في داخل هذه المدرسة، تجدونهم معلمين، يقفون في الصفوف على ثغراتها، يعلمون الثري معنى الإيثار، والمرفّه معنى الزهد، والتائه معنى الطريق، هم يزدادون قوة بجوعهم يعلمون أنه يحرض ضمائرهم للعطاء، ويحفز وعيهم لاهتبال كل لحظة في هذا الوقت الموهوب بين أيديهم لمزيد ثراء فيجدون في الحرث والبذر لحصاد يضمنونه، فهو وعدٌ من الله لا من زميل ولا من رب عمل ولا من صديق أو قريب، فالله تعالى لا يخلف وعده، بينما الإنسان قد يفعل حين تغلب عليه نفسه، أو تلتهمه رغائبه،... ليكن الفقير المسكين المؤمن، الصائم المحتسب لكم في رمضان معلماً، افتحوا له أبوابكم، واشرعوا معه عقولكم، واستلهموا منه أفعاله طائعاً لا يتكلم، عطشاً لا يتأفف، جائعاً لا يتضور، حديثه هادئ بحمد، يده ممتدة للسماء لا للأبواب،... قلت لكم إنه معلم في فصول مدرسة رمضان, وأنتم تلاميذ فتعلموا، لا تأخذنكم عنه غفلة، ولا تبعدكم منه منزلة، فمنازل الدنيا مواقع اختبار، المنازل يا أبنائي هي التي تنتظرنا هناك، عند ختام طريق الحياة وبدء طريق الآخرة، حيث الدار المستقَر, التي لا دار بعدها.. فاسألوا الله مرافقة الفقير المسكين في الآخرة فإنهما أول من يدخلان الجنة لا مال يُسألان عنه، ولا تأفف في الدنيا يعثِّر مسارهما إليها في الآخرة.. ما أخلصا لله، وما رحمهما تعالى،..
فالفقير الرضي خير من يعلمكم الصبر، ويلقي عليكم درس الرضاء والامتثال.. لا تأخذنكم عنه ذرة من مغريات وفروقات... فتزودوا ما استطعتم... وتعشموا في رحمة الله ما عرفتم وعلمتم وعملتم...
إنها المدرسة الإلهية التي وهبكم الله تعالى موعداً لها وقدوة فيها.